يُعد الحزب الجمهوري الأمريكي أحد الحزبين السياسيين الأساسيين في الولايات المتحدة الأمريكية، تأسس الفيل الجمهوري عام 1854، وكان الحزب في بداية الأمر قد نشأ كائتلاف يعارض توسع عمليات الرق والعبودية نحو الأراضي الغربية.
قاتل الحزب الجمهوري الأمريكي كثيرًا لضمان حماية حقوق الأمريكيين أصحاب الأصول الأفريقية بعد الحرب الأهلية بالبلاد، ويُعد الحزب الجمهوري حاليًا بأنه الحركة المحافظة اجتماعيًا داخل الولايات المتحدة، وبشكل عام يميل الحزب الجمهوري إلى حكومة أصغر وضرائب أقل بالإضافة إلى تدخل فيدراليًا أقل في الاقتصاد.
بدايات الحزب الجمهوري الأمريكي
كان الآباء المؤسسون للولايات المتحدة يكرهون فكرة الأحزاب ولم يثقوا بالأحزاب السياسة، ولكن لم يمض كثيرًا من الوقت حتى زادت الانقسامات والاختلافات بينهم، فأُطلق على مؤيدو جورج واشنطن وألكسندر هاملتون -وهما من الآباء المؤسسون للولايات المتحدة- اسم الفدراليين، ولقد مالوا إلى وجود حكومة مركزية قوية ونظامًا ماليًا وطنيًا.
على النقيض من ذلك فضل وزير الخارجية توماس جيفرسون -وهو أحد الآباء المؤسسين- حكومة أكثر محدودية بعيدًا تمامًا عن مركزية واشنطن وهاملتون، وقد أُطلق على أنصار جيفرسون اسم الجمهوريين وسُموا فيما بعد بلقب الجمهوريين الديموقراطيين.
بعد حرب عام 1812 تم حل الحزب الفدرالي، وفي ثلاثينيات القرن التاسع عشر تطور الجمهوريون الديموقراطيون إلى الحزب الديموقراطي الذي يعد في وقتنا الحالي هو منافس الحزب الجمهوري الأمريكي ، والتف الديموقراطيون حول الرئيس أندرو جاكسون، بينما معارضي سياسات جاكسون شكلوا حزبهم اليميني الخاص، وبحلول أربعينيات القرن التاسع عشر صار الحزبين الديموقراطي واليميني هما الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة.
العبودية والفيل الجمهوري
في خمسينيات القرن التاسع عشر مزقت قضية العبودية العديد من التحالفات السياسية في تلك الفترة، ونشأت أيضًا أحزاب جديدة ولكن سرعان ما حكم عليها بالفشل، وفي عام 1854 صُدر قانون كانساس نبراسكا والذي من شأنه أن يسمح بالعبودية في الأراضي الأمريكية.
أدت معارضة قانون كانساس نبراسكا إلى الدفع في إنشاء تحالف مناهض للعبودية من قِبل اليمينيين والسعاة الأحرار والديموقراطيين الساخطين على القانون، وقد كان ذلك التحالف نواة تأسيس الحزب الجمهوري الأمريكي الحديث والذي عقد أول اجتماع في ريبون ومن ثم ويسكونسن بعدها بشهرين.
اجتمع بعد ذلك أعداد أكبر للمشاركة في اختيار المرشحين الأوائل للحزب لأحد المنصب على مستوى الولاية، ولم يكن هدف الجمهوريون الجدد الأساسي هو إلغاء العبودية ولكن منع توسعها في الغرب الأمريكي؛ خشيةً من هيمنة مصالح العبودية في القرارات السياسية الوطنية.
في انتخابات عام 1860، أدى الانقسام بين الديموقراطيين الجنوبيين والشماليين حول العبودية إلى دفع المرشح الجمهوري أبرهام لينكولن للفوز بمنصب رئيس الولايات المتحدة، وقبل تنصيب لينكولن انفصلت سبع ولايات جنوبية عن الاتحاد وبدأت كل المعطيات تشير نحو حرب أهلية.
إلغاء العبودية وإعادة الأعمار
خلال الحرب الأهلية في البلاد بدأ لينكولن والكثير من الجمهوريين في رؤية إلغاء العبودية كخطوة استراتيجية لمساعدتهم على كسب الحرب، وفي عام 1863 أصدر لينكولن إعلان تحرير العبيد، وفي نهاية الحرب قادت الأغلبية الجمهورية في الكونجرس تمرير التعديل الثالث عشر والذي ألغى العبودية في الولايات المتحدة.
خلال حقبة الرئيس الديموقراطي أندرو جونسون والذي تقاعس عن الاستمرار في عمل سلفه لينكولن تجاه العبودية، أصدر الجمهوريون الراديكاليون في الكونجرس تشريعات من شأنها أن تحمي حقوق السود بما في ذلك الحقوق المدنية وحق التصويت للرجال السود، وبفضل تلك القوانين تعزز ولاء الجنوبيين البيض للحزب الديموقراطي ولعقود عديدة قادمة.
أثناء فترة إعادة الإعمار ارتبط الجمهوريون وبشكل متزايد بالمصالح التجارية والمالية الكبيرة في الشمال، والذي كان أكثر تصنيعًا مقارنةً بنظيره في الجنوب، واستطاعت الحكومة الفيدرالية أن تتوسع خلال الحرب واستفاد الممولين الشماليين وأصحاب المصانع بشكل كبير نتيجة لزيادة نفقات الحكومة الفيدرالية.
الفيل الجمهوري والكساد الكبير
ارتبط الحزب الجمهوري الأمريكي بالمصالح التجارية بشكل وطيد، وبحلول مطلع القرن العشرين أصبح يُنظر إلى الفيل الجمهوري على أنه حزب النخبة من الطبقة العليا بالبلاد، ومع صعود الحركة التقدمية في الداخل والتي كانت تسعى إلى تحسين حياة المواطنين الأمريكيين وخصوصًا من الطبقة العاملة، دافع الكثير من الجمهوريين عن الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية والعمالية، بما في ذلك الرئيس الأمريكي ثيودر روزفلت والذي انفصل عن الجناح الأكثر محافظة في الحزب بعد تركه لمنصبه.
استفاد العديد من الجمهوريين من الازدهار الاقتصادي بالبلاد في عشرينيات القرن الماضي، ولكن في عام 1929 انهار سوق الأسهم بالبلاد وأدى ذلك إلى الكساد الكبير في الولايات المتحدة، وألقى الكثير من الأمريكيين باللوم على الجمهوريين.
اُتهم الجمهوريين بالتسبب في الكساد الكبير واستنكر الكثير من الأمريكيين مقاومة الجمهوريين لاستخدام التدخل الحكومي المباشر في مساعدة الناس، وأدى هذا السخط إلى هزيمة الرئيس الجمهوري هربورت هوبر أمام الديموقراطي فرانكلين روزفلت في عام 1932.
انتكاسة الفيل الجمهوري
حازت برامج الإغاثة التي أطلقتها الصفقة الجديدة وهي الخطة التي وضعها الرئيس الديموقراطي روزفلت لمواجهة الكساد الكبير على موافقة شعبية ساحقة، مما أعطى حقبة من الهيمنة للديموقراطيين والتي ستستمر معظم الأعوام الستين القادمة.
لم يستطع الحزب الجمهوري الأمريكي الانتصار إلا في أربع انتخابات رئاسية فقط بين عامي 1932 و1980، ولم يظفر الجمهوريين بأغلبية في الكونجرس إلا لمدة أربع سنوات فقط في اكتساح صريح للحمار الديموقراطي على غريمه الفيل الجمهوري.
شهد الجنوب الأمريكي تعقيدات وتغييرات سياسية ضخمة بعد الحرب العالمية الثانية أدت إلى هجرة العديد من الجنوبيين البيض من دعم الديموقراطيين إلى أحضان الفيل الجمهوري، وبسبب أيضًا معارضتهم للحكومة الكبيرة واتحادات العمال الموسعة والدعم الديموقراطي للحقوق المدنية بالإضافة معارضة المسيحيين المحافظين للإجهاض وغيرها من القضايا الاجتماعية والثقافية.
بعد الكساد الكبير والصفقة الجديدة استمر التغير في تركيبة الموالين للحزبين وبدأ عزوف السود الذين ظلوا عقودًا ومنذ الحرب الأهلية مؤيدين للفيل الجمهوري نحو التصويت للديموقراطيين ودعمهم إلى وقتنا الحالي.
رحلة الفيل الجمهوري من ريجان إلى ترامب
تولى السياسي الجمهوري رونالد ريجان حكم الولايات المتحدة في عام 1981، زاد ريجان الإنفاق العسكري ودافع عن السوق الحر بسياسات سُميت باسم ريجانوميكس (Reaganomics)، اما في السياسة الخارجية انتصر الأمريكيون بعد ذلك في الحرب الباردة تحت قيادة الجمهوريين، ولكن في عهد بوش الأب ظهرت ملامح ضعف للاقتصاد الأمريكي لتعود السلطة إلى الديموقراطيين.
استعاد الحزب الجمهوري الأمريكي السيطرة على البيت الأبيض في عام 2000 عندما فاز بوش الابن الذي دُعم شعبيًا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ولكن زادت حرب العراق وركود عام 2008 الضغط على الجمهوريين ليخسروا السلطة من جديد.
بعد بوش الابن وصل للبيت الأبيض زائر متميز وهو الرئيس الأمريكي باراك أوباما ذا الأصول الأفريقية وصاحب البشرة السمراء ليكون أول رئيس أسود في تاريخ الولايات المتحدة، وفاز أوباما في ولايته الثانية حتى وصل ممثل الفيل الجمهوري إلي السلطة في انتخابات 2016 دونالد ترامب، وسيطر الجمهوريون في عهده على مجلس الشيوخ والنواب وحصدوا أغلبية حكم الولايات، ويخسر الفيل ولايته الثانية ويصل حمار ديموقراطي جديد إلى البيت الأبيض في 2021 وهو الرئيس الحالي جو بايدن.
منذ تأسيس الحزبين استمر الصراع بين الفيل والحمار على الحكم سواء في الوصول للبيت الأبيض أو الحصول على مقاعد الكونجرس، وتمر الأعوام وتتبدل الأدوار فمن كانوا يرفضون تحرير العبيد هم اليوم الذين رشحوا رجل أسود، وتارةً يترأس الفيل الجمهوري وتارةً يغلب الحمار الديموقراطي في سعي نحو الحلم الأمريكي لوطن أفضل.