آخر تحديث في 2 ديسمبر, 2021
كان مالكوم إكس زعيمًا أمريكيًا من أصل أفريقي، ناضل من أجل الحقوق المدنية للأمريكيين الأفارقة، وكان قياديًا مؤثرًا وبارزًا في حركة أُمة الإسلام، قبل أن يتركها ويعتنق العقيدة الإسلامية الصحيحة في نهاية حياته. وعلى الرغم حياة مالكوم إكس القصيرة -إذ تم اغتياله مع اقتراب اكماله لأربعين عامًا- فإنها كانت حياةً مثيرة ومليئة بالجدل والأحداث، وامتد أثرها حتى بعد مماته. في هذا المقال نسرد لك سيرة حياة المناضل الأمريكي مالكوم إكس.
نشط مالكولم إكس في مجال الحقوق المدنية، وكان له منصبٌ بارز في حركة القوميين السود وعمل كمتحدث باسم أمة الإسلام خلال الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، كان مالكوم إكس خطيبًا موهوبًا بالفطرة. في بداية نشاطه كان يحث الأمريكيين الأفارقة على التخلص من أغلال العنصرية “بأي وسيلة ضرورية”، بما في ذلك استخدام العنف – إلى أن انفصل مالكوم إكس عن جماعة أمة الإسلام قبل وقت قصير من اغتياله، وأسس مؤسسة الوحدة الأفريقية الأمريكية. تزوج مالكوم إكس من “بيتي شاباز” زميلته في أمة الإسلام وأنجب منها 6 بنات.
حياته المبكرة
ولد مالكوم إكس في 19 مايو عام 1925م، في مدينة أوماها بولاية نبراسكا، كان هو الطفل الرابع من بين ثمانية أطفال، والدته اسمها “لويز” ربة منزل، أمّا والده فاسمه “إيرل ليتل” كان واعظًا وعضوًا نشطًا في الفرع المحلي لجمعية تحسين الزنوج العالمية، وداعمًا قويًا للزعيم القومي الأسود “ماركوس غارفي” وبسبب نشاط والده “إيرل ليتل” في مجال الحقوق المدنية، تعرضت العائلة لمُضايقات متكررة من مجموعات تفوّق البيض، بما فيها جماعة “الكوكلوكس كلان” وأحد فصائلها المنشقة التي تسمى الفيلق الأسود، وفي إحدى الأمسيات عندما كان مالكوم إكس في الرابعة من عمره، حطّم أعضاء كوكلوكس كلان جميع نوافذ المنزل، وبسبب ذلك قرر والده نقلهم من أوهاما إلى مدينة ميلووكي بولاية ويسكونسن لحمايتهم في عام 1926م، ثم نقلهم إلى مدينة لانسينج بولاية ميشيغان عام 1928م، ومع ذلك! واجهت العائلة في لانسينغ عنصرية أكبر من التي واجهتها في أوماها، فبعد فترة وجيزة من انتقالهم، أضرمت جماعة عنصرية النار في منزلهم عام 1929م، ورفض عمال وحدة الطوارئ في مدينة لانسينغ فعل أي شي! إذ كانوا من البيض، وقد حُفرت تلك الأحداث عميقًا في ذاكرة مالكوم إكس. انتقلت العائلة من جديد، هذه المرة إلى شرق لانسينغ، حيث بنى والدهم منزلًا جديدًا.
عام 1931م أي بعد حادثة حريق المنزل بعامين، تم اكتشاف جثة والد مالكوم إكس “إيرل ليتل” مُلقاة عبر مسارات الحافلات الكهربائية بالمدينة، على الرغم من أن عائلة مالكوم إكس اعتقدت أن والده قُتل على يد العنصريين البيض الذين كان والده يتلقى منهم تهديدات متكررة بالقتل، فقد حكمت الشرطة رسميًا بوفاة والده في حادث سيارة، وبالتالي قاموا بإلغاء بوليصة التأمين على الحياة، التي اشتراها ليتل من أجل إعالة أسرته في حالة وفاته. دخلت والدة مالكوم إكس في حالة من الصدمة والحزن على وفاة زوجها، ومع صعوبة إعالة أطفالها الثمانية، ازدادت معاناتها إلى أن تم إدخالها مؤسسة عقلية عام 1937م، إذ بقيت فيها لمدة 26 عامًا، وتم فصل مالكوم وإخوته وتفرقتهم على بعض الأسر لرعايتهم.
تعليمه
التحق مالكوم إكس بمدرسة مايسون الثانوية حيث كان واحدًا من قلة من الطلاب السود، برع أكاديميًا وكان محبوبًا من قبل زملائه الذين انتخبوه رئيسًا للصف، إلى أن أتت الحادثة التي غيرت طفولته، ففي عام 1939م سأله مدرس اللغة الإنجليزية عما يريد أن يكون عليه في المستقبل، أجاب مالكوم أنه يريد أن يصبح محاميًا، فتعجّب المعلم من إجابته وأخبره أن من احتياجات الحياة الأولى أن نكون واقعيين، وأن عليه أن يفكر فيما يمكن أن يكونه بناء عليها، وسأله: “لم لا تفكر في أن تصبح نجّارًا؟ إن لك شخصية محبوبة ولن تجد صعوبة في التعامل مع الزبائن” كانت هذه العبارات قاصمة لظهر مالكوم إكس ولنبوغه الدراسي وفهم منها أنه لا فائدة من متابعة طفل أسود للتعليم، فترك مالكوم إكس المدرسة في العام التالي وكان عمره حينها 15 عامًا.
بعد تركه للمدرسة، انتقل إلى بوسطن للعيش مع أخته الكبرى” إيلا” التي قال عنها في مذكراته “لقد كانت أول امرأة سوداء أراها شامخة الكبرياء، كانت تنظر للونها باعتزاز وفخر شديد”. حصلت إيلا لمالكوم على وظيفة تلميع الأحذية في قاعة روزلاند، لكن الوظيفة لم تمنع مالكوم من التعرف على الجريمة، وسرعان ما تحول لبيع المخدرات، ثم حصل على وظيفة أخرى كمساعد في المطبخ في قطار بين نيويورك وبوسطن، وسقط أكثر في حياة المخدرات والجريمة وأصبح يرتدي البدلات الرياضية المتلألئة المخططة، ويتردد على النوادي الليلية وقاعات الرقص وتحول بشكل كامل إلى الجريمة لتمويل أسلوب حياته الفخم.
اقرأ أيضًا: جو بايدن … إليك كل ما تريد معرفته عن رئيس أمريكا السادس والأربعون
حياته في السجن
قُبض على مالكوم إكس في عام 1946م بتهمة السرقة وحُكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات، وكانت فترة سجنه نقطة تحول كبيرة في حياته، إذ كان يقضي وقته في القراءة، في محاولة لتعويض سنوات التعليم الذي فاته بسبب تركه للمدرسة الثانوية، فالتهم الكتب في مكتبة السجن التهامًا، حتى ضعف بصره بسبب إضاءة السجن الضعيفة، فبات يرتدي النظارات.
أثناء وجوده في السجن انضم اخوته لجماعة أمة الإسلام، فراسله أخوه ريجينالد ثم زاره ليخبره عن أمر الجماعة وعن الطريقة التي يمكن أن تُخرجه من السجن، قام مالكوم إكس بعدها بمراسلات مع إليجا محمد، إلى أن اقتنع بفكر جماعة أمة الإسلام فاعتنقه، كانت جماعة أمة الإسلام طائفة صغيرة من المسلمين السود، الذين اعتنقوا أيديولوجية تفوّق العرق الأسود، وهي الفكرة القائلة بأنه من أجل ضمان الحرية والعدالة والمساواة، يحتاج الأمريكيون السود إلى إنشاء دولتهم الخاصة منفصلة تمامًا عن الأمريكيين البيض، لكن عقيدتهم كان فيها تحريف كثير ينافي عقيدة الإسلام الصحيحة، في ذلك الوقت غير مالكوم اسمه من مالكوم ليتيل إلى مالكوم إكس وتشير إكس إلى اسم عائلته الأفريقية المجهول، واعتنق عقيدة أمة الإسلام قبل إطلاق سراحه من السجن عام 1952.
أمة الإسلام والتحول الكبير في حياة مالكوم إكس
سافر مالكوم إكس بعد خروجه من السجن، إلى مدينة، ديترويت بولاية ميشيغان، حيث عمل بجهد لزيادة أعضاء الحركة وحث الأمريكيين السود للانضمام إليها، أصبح مالكوم إكس وزير المعبد رقم 7 في هارلم والمعبد رقم 11 في بوسطن، كما أسس معابد جديدة في هارتفورد وفيلادلفيا، وفي عام 1960م أسس صحيفة وطنية، باسم “محمد يتكلم” من أجل زيادة الترويج لرسالة أمة الإسلام.
نمت أمة الإسلام من 400 عضو فقط وقت إطلاق سراحه من السجن في عام 1952م، إلى 40 ألف عضو بحلول عام 1960، بسبب خطاباته العاطفية والقوية. كان الدكتور مارتن لوثر كينج رائد الحقوق المدنية ينتقد مالكوم إكس بشدّة، وقال كينغ ذات مرة: “أشعر أن مالكوم قد تسبب في ضرر كبير لنفسه ولشعبنا”، فقد كان مالكوم يُقدم خطابًا يتنافى مع دعوة مارتن لوثر لإقرار الحقوق المدنية عبر الوسائل السلمية فقط، بينما كان مالكوم يرى أنه لا توجد ثورة خالية من العنف.
أصيب مالكوم إكس بخيبة أمل شديدة عام 1963م عندما علم أن معلمه وملهمه إليجا محمد قد انتهك العديد من التعاليم التي يدعو إليها، مثل قيامه بالعديد من العلاقات خارج نطاق الزواج، وقد أدت مشاعر الخيبة لدى مالكوم؛ إضافة لغضب إليجا محمد من تعليقات مالكوم بشأن اغتيال الرئيس “جون إف كينيدي” إلى مغادرة مالكوم إكس لأمة الإسلام في عام 1964م.
في نفس العام قام مالكوم برحلة طويلة عبر شمال إفريقيا والشرق الأوسط، كانت الرحلة صفحة جديدة في حياة مالكوم إكس، إذ تغير فكره السياسي وعقيدته الدينية، وتركت رحلة الحج إلى مكة المكرمة أثرها الكبير عليه، إذ أدت إلى تقويم عقيدة مالكوم إكس وتوجيهها نحو الإسلام الصحيح، فغير اسمه من مالكوم إكس إلى الحاج مالك الشباز، عاد إلى الولايات المتحدة من تلك الرحلة أقل غضبًا وأكثر تفاؤلًا بشأن احتمالات التوصل إلى حل سلمي لمشاكل الأفارقة في أمريكا، ولتمرير قوانين الحقوق المدنية، وقال:
لقد أثّرت الأخوة الحقيقية التي رأيتها في مكة على إدراك أن الغضب يمكن أن يعمي الرؤية البشرية
وقال أيضًا:
إن أمريكا بحاجة لفهم الإسلام، لأنّه الدين الوحيد الذي يستطيع حل مشاكل العنصرية فيها
في يونيو 1964م، أسس منظمة الوحدة الأفريقية الأمريكية، وأصبحت فلسفته الأكثر اعتدالًا مؤثرة.
اغتيال مالكوم إكس
اغتيل مالكوم إكس بعد أن بدأ في تحويل أيديولوجيا مسار حركة الحقوق المدنية إلى مسار أكثر هدوءًا وسلمية، مع اصطحاب العقيدة الإسلامية الصحيحة، ففي 21 فبراير عام 1965م اعتلى مالكوم المسرح لإلقاء خطاب في قاعة أودوبون في مانهاتن بنيويورك، وعندما شرع في خطابه حدث شجار في نهاية القاعة، ثم اندفع عدد من الرجال نحو المنصة وأطلقوا النيران بكثافة، أُصيب مالكوم إكس بطلقات عديدة من مسافة قريبة، وأُعلن عن وفاته بعد وصوله إلى مستشفى قريب، اتُّهِم ثلاثة من أعضاء أمة الإسلام وحُكم عليهم بالسجن المؤبد.
الخاتمة
انتهت حياة مالكوم إكس ولكنها تركت أثرًا كبيرًا في مسار حركة الحقوق المدنية، لا سيما بعد إصدار كتابه “سيرة ذاتية مالكوم إكس” والذي كتبه “أليكس هايلي” عبر جلسات نظّمها مع مالكوم منذ أوائل الستينيات. صدر الكتاب بعد اغتياله وأصبح من أكثر الكتب مبيعًا وتلقّى إشادة شبه عالمية، ووصفته مجلة نيويورك تايمز بأنه “كتاب رائع، مؤلم، مهم”، وأدرجته كواحد من أكثر 10 كتب غير روائية تأثيرًا في القرن العشرين، وقد تنبأ في سيرته بموته المبكر وذكر أن موته سيكون له أهمية أكثر من حياته.
اقرأ أيضًا: ولاية واشنطن: جولة سريعة بداخل عاصمة البيت الأبيض واشنطن