دومًا ما نسمعُ عن مصطلح “العالم الجديد” الذي يُقصد به الأمريكتين، ويرتبط اكتشاف أمريكا في التراث الشعبي حول العالم باسم كريستوفر كولومبوس، الرجُل الذي يُقال أنّه مُكتشف أمريكا، فهل حقًّا كان لكولومبوس حظُّ اكتشاف أمريكا؟ سنتعرف في هذا المقال على سيرته وصحّة اكتشافه ورحلاته البحرية.
من هو كريستوفر كولومبوس؟
كريستوفر كولومبوس هو مستكشف إيطالي، ولد في مدينة جنوة الإيطالية عام 1451م، لأب يُدعى “دومينيكو كولومبو” يعمل تاجر صوف، وأم تُدعى “سوزانا فونتاناروسا”. في فترة مراهقته حصل على عمل في سفينة تجارية برتغالية، وظل يعمل فيها حتى عام 1476م، عندما هاجم القراصنة سفينته أثناء إبحارها شمالًا على طول الساحل البرتغالي، لكن كولومبوس استطاع النجاة عبر تشبثه بقطعة من الخشب.
بعد هذه الحادثة شقَّ كولومبوس طريقهُ إلى مدينة لشبونة للعيش فيها، فدرس الرياضيات وعلم الفلك وعمِل في رسم الخرائط والملاحة، كما بدأ في وضع خطة رحلاته التي غيرت العالم إلى الأبد. يشتهر بأنه مُكتشِفُ الأمريكتين وقد كانت رحلاته بدايةً لقرونٍ من الاستعمار عبر المحيط الأطلسي.
رحلاته واكتشاف أمريكا
في نهاية القرن الخامس عشر، كان من المستحيل تقريبًا الوصول إلى آسيا من أوروبا عن طريق البر، إذ كان الطريق طويلًا وشاقًا، ومن الصعب تجنب المواجهات مع جيوش الممالك والإمبراطوريات القائمة هُناك. مما دفع المستكشفون البرتغاليون للتفكير في إيجاد حلٍّ لهذه المشكلة، وذلك عن طريق الإبحار جنوبًا على طول ساحل غرب إفريقيا، ثم حول رأس الرجاء الصالح.
كان لدى كريستوفر كولومبوس فكرة مختلفة، إذ رأى أن الإبحار غربًا عبر المحيط الأطلسي بدلاً من الإبحار حول القارة الأفريقية يمكن أن يوصله لآسيا، وكان يعتقد أن الرحلة بالقارب من أوروبا إلى آسيا سهلة نسبيًا عبر ممر شمالي غربي لم يتم اكتشافه بعد.
قدّم خطته للمسؤولين في البرتغال وإنجلترا، ولكن لم يقرّه أحد على خطته حتى عام 1492م، عندما وافق الملوك الإسبان “فرديناند الثاني” من أراغون و”إيزابيلا الأولى” من قشتالة على رحلة كولومبوس، ووقّعا معه اتفاقية، وتم منحه رتبة أمير البحار والمحيطات.
كانت رحلاته تسعى لتحقيق الشهرة والثروة والسلطة للمملكة الإسبانية، إضافة لنشر المسيحية الكاثوليكية عبر هذه الرحلات.
الرحلة الأولى
في الثالث من أغسطس عام 1492م ، بدأت أولى رحلات كولومبوس مع طاقمه من إسبانيا في ثلاث سفن، هي:
- نينا.
- بينتا.
- سانتا ماريا.
وصلت السفن في 12 أكتوبر إلى اليابسة، ولكنها لم تكُن جُزر الهند الشرقية كما ظنّ كولومبوس، بل كانت إحدى جزر الباهاما، ظل كريستوفر كولومبوس يُبحر لأشهر من جزيرة إلى أخرى فيما يُسمى الآن بمنطقة البحر الكاريبي، بحثًا عن اللؤلؤ والأحجار الكريمة والذهب والفضة والتوابل وغيرها من البضائع التي وعد بها الملوك الإسبان، لكنه لم يجد الكثير.
ثم في يناير من عام 1493م، عاد حاملًا ما وجده من توابل وذهب وببغاوات، وما أسره من سكان أصليين إلى إسبانيا مما دفع الملكين للإعجاب بما قام به ومواصلة تمويل رحلاته.
ترك كولومبوس خلفه عشرات الرجال في مستوطنة مؤقتة تُدعى “هيسبانيولا” والتي تعرف اليوم بهايتي وجمهورية الدومينيكان. احتفظ بمذكرات مفصلة خلال رحلته الأولى عن الحياة البرية والطقس وحتى الحالة المزاجية لطاقم سفينته، كما سجل انطباعاته عن السكان الأصليين وعن إمكانية استعبادهم.
الرحلة الثانية
عاد كولومبوس للبحر للمرة الثانية في سبتمبر عام 1493م، هذه المرة بأسطول أكبر مكون من 17 سفينة و1500 بحّار غربًا عبر المحيط الأطلسي، واكتشف في هذه الرحلة جزرًا جديدة فيما يُعرف اليوم بجُزر الأنتيل، والعديد من الجزر الواقعة شرق القارة الأمريكية.
الغريب أن كولومبوس كان يظن أنه وصل للهند فعلًا، لكن اتضح بعد ذلك أنها ليست الهند؛ لذلك يُطلق اليوم على هذه الجزر اسم جزر الهند الغربية.
الرحلة الثالثة
في مايو 1498م أبحر كريستوفر كولومبوس غربًا للمرة الثالثة، زار ترينيداد والبر الرئيسي لأمريكا الجنوبية قبل أن يعود إلى مستوطنة هيسبانيولا، إذ وجد السكان الاصليين قد قاموا بثورة ضد سوء إدارة ووحشية الأخوين كولومبوس.
ساءت الظروف في المستوطنة مما اضطر الملوك الإسبان إلى إرسال حاكم جديد لتولي السلطة، وتم القبض على كولومبوس وعاد إلى إسبانيا مقيدًا بالسلاسل.
الرحلة الأخيرة
في عام 1502م تم تبرئة كريستوفر كولومبوس من التهم التي وُجهت إليه، لكنه جُرِّد من ألقابه النبيلة، ثم قرر القيام برحتله الأخيرة وأقنع التاج الإسباني بدفع ثمن رحلته عبر المحيط الأطلسي.
قطع طريقه إلى بنما، واضطر للتخلي عن اثنتين من سفنه الأربع بسبب الأضرار التي لحقت بِها، فعاد خالي الوِفاض إلى إسبانيا من رحلته الأخيرة.
هل اكتشف كولومبوس الأمريكتين؟
لم “يكتشف” كريستوفر كولومبوس الأمريكتين – كما هو شائع – ولم يكن حتى أول أوروبي يزور “العالم الجديد“، فقد كان مستكشف الفايكنج “ليف إريكسون” قد أبحر إلى “جرينلاند ونيوفاوندلاند” الواقعتين في كندا اليوم وذلك في القرن الحادي عشر، لكن رحلات كولومبوس أدت إلى قرون من الاستكشاف والاستغلال في القارات الأمريكية.
فتحت هذه الرحلات باب التبادل التجاري ونقل الناس والحيوانات والطعام وحتى الأمراض، أصبح قمح العالم القديم من المواد الغذائية الأساسية في أمريكا، وباتت القهوة الأفريقية وقصب السكر الآسيوي محاصيل نقدية لأمريكا اللاتينية، بينما تم إدخال الأطعمة الأمريكية مثل الذرة والطماطم والبطاطس في النظم الغذائية الأوروبية.
وفاته
توفي المستكشف الإيطالي بتاريخ 20 مايو 1506م في بلد الوليد بإسبانيا، واليوم يُعد كريستوفر كولومبوس رجلًا ذا إرثٍ مثير للجدل، البعض يراه مستكشفًا جريئًا ورائدًا قام بتغيير العالم الجديد، والبعض يرى أنَّ أفعاله أدّت إلى تدمير حياة السكان الأصليين واستعبادهم، يحتفل الأمريكيون بيوم كولومبوس في تاريخ 12 أكتوبر كُل عام.