تعد الولايات المتحدة الأمريكية من الدول القوية، خاصة في جانبها العسكري، فلا يمكن إطلاقًا الاستهانة بهيمنتها في كثير من الحروب؛ ولا غضُّ الطرف عن مرات فوزها الساحق في معارك أخرى، لكن لا يخلو الأمر من وجود عددٍ لا بأس به من الحروب التي خاضها الجيش الأمريكي؛ وخسر فيها، فنقْصُ العِداد، وعامل المفاجأة، وتوفر معلومات قليلة، أو خاطئة للخصم يُسْهِم بشكل أساسي في الخسارة العسكرية، لذلك قررنا التعرف في هذا المقال على حروب خسرتها أمريكا.
5 حروب خسرتها أمريكا
1- معركة معبر قصرين
بعد غزو القوات الأمريكية والبريطانية شمال أفريقيا، في عمليةٍ تسمى بعملية “المشعل” سنة 1942؛ والتي تعتبر أولى الاشتباكات مع القوات الألمانية النازية، سعت قوات الحلفاء بقيادة الألمان في فبراير سنة 1943 إلى شنِّ هجومٍ قويٍّ عبر معبر قصرين لتدمير الجيش الأمريكي، مما أدى إلى تراجع الجيوش الأمريكية والبريطانية.
فأوضحت هذه الحادثة بشكلٍ كبيرٍ فقدان التنسيق بين القوات الأمريكية والبريطانية، وأظهرت قلَّة الخبرة العسكرية لدى القوات الأمريكية، حيث كانت لدى الألمان أسلحةٌ أفضل، ومنهجيه تدريبٍ أقوى. من جهة أخرى تواجدت قاذفات القنابل التي تدعم الجو والأرض، مع امتلاك الجنود أسلحةً رهيبة؛ ساعدتهم بشكلٍ كبيرٍ في نجاح العملية.
استمرت المعارك بين الطرفين محتدِمة، ورغم تمرير بريطانيا مساعدات للجيش الأمريكي، إلا أنهم فشلوا في النهاية، مما ترك القوات الأمريكية في حالة ضعفٍ شديد.
بالرغم من ذلك، تمكنوا من وقف الهجمات الشرسة الألمانية، ولكن بعد خسارةٍ كبيرةٍ في العنصر البشري، والمادي على السواء، حيث إن هذه المعركة تعد ضمن حروب خسرتها أمريكا ، فمن بين 30 ألف أميركيٍّ مشارك في العملية؛ قُتل واحد من بين كل أربعة جنود، وأصيب 3000، وفُقد الكثير، كما وخسر الجيش 183 دبابة، و208 قطعةً مدفعية، و512 شاحنة، وهي خسائر كبيرةٌ تكبدتها الولايات المتحدة الأمريكية.
2- معركة تاسافارونغا
وقعت معركة تاسافارونغا خلال معركة غودالكانال في الحرب العالمية الثانية، وتعتبر تاسافارونغا ضمن قائمة حروب خسرتها أمريكا، ففي 30 من نوفمبر سنة 1942، كانت هناك 8 مدمرات يابانية تحمل مؤونات غذائية، وإمدادات للجنود اليابانيين المُتَموضِعين على الجزيرة.
لَمَّا لاحظت الولايات المتحدة الأمريكية وجود تلك المدمرات، قررت إرسال قوةٍ بحريةٍ مكونةٍ من 5 سفن بحريةٍ كبيرة، و4 مدمراتٍ للهجوم على القوات اليابانية. وباستخدام الرادار؛ باغتت القوات الأمريكية عدوتها اليابانية؛ فأغرقت لها مدمرةً واحدة. ولما وجدت القوات اليابانية نفسها في حصارٍ شديد، ووضعٍ بائس، لم تجد بُدًّا إلا إطلاقَ طوربيدات بعيدة المدى على السفن الأمريكية، الشيء الذي دمَّر 3 من سفنها وأغرق أخرى. تمكَّنت بعدها السفن اليابانية من الهروب بنجاح وإتمام مهمة إمداد المؤونات للقوات اليابانية في جزيرة غوادلكانال.
في نهاية المعركة، تم اعتبار تاسافارونغا من بين أسوأ المعارك التي تكبدت فيها الولايات المتحدة الأمريكية خسائر فادحةً وعانت منها فيما تبقى من الحرب العالمية الثانية.
3- الحرب الكورية
بدأت الحرب الكورية في 25 يونيو 1950 عندما هاجم حوالي 75000 جندي تابعٍ للقوات الكورية الشمالية -والمدعومة من طرف الاتحاد السوفياتي- الحدود بينه وبين كوريا الجنوبية -المدعومة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية- عبر خطَّي العرض 30، سعيًا إلى توحيد الكوريتين.
في يوليو سنة 1950، دخلت القوات الأمريكية الحرب مُؤازرة، وداعمةً للقوات الكورية الجنوبية، فاندلع القتال الشرس بين الكوريتين، واستمر الصراع دون نتيجة, كانت أمريكا تحاول جاهدةً التوصل إلى هدنةٍ مع أعداء الشمال؛ خوفًا من اتساع دائرة الحرب، لتشمل الاتحاد السوفياتي والصين، وقد كانت الجنود الشمالية منضبطةً أكثر، وذات كفاءةٍ عالية؛ سواء من ناحية البنية الجسدية للجنود، أو من ناحية توفر المعدات، فدعْمُ السوفيات والصين؛ أظهر تفوقًا عسكريًا على جنود كوريا الجنوبية.
استمرت الحرب مُتَّقِدَةً مشتعلة؛ حتى بدأت بوادر نهايتها إجمالًا؛ في يوليو سنه 1953، ورغم سنوات الحرب القليلة، إلا أنها تعتبر ضمن حروب خسرتها أمريكا وتكبدت فيها خسائر جسيمةً وكارثية؛ إذ توفي ما يقرب من 40000 أميركي، وأصيب أكثر من 100 ألف جندي، وفُقد المئات، فكانت هذه الحرب خسارةً كبيرةً لأمريكا؛ رغم كونها لم تلقى تغطية إعلاميةً كبيرة.
4- حرب فيتنام
حرضت الحكومة الشيوعية الشمالية لفيتنام، والمدعومة من طرف الاتحاد السوفيتي والصين ضد فيتنام الجنوبية -والتي كانت حليفتها هي الولايات المتحدة الأمريكية-، وكان في ذات الوقت الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي في أشُدِّها.
بعد استمرار الصراع بين الطرفين، أبرمت الولايات المتحدة الأمريكية اتفاقية سلامٍ نهائيةٍ بينها وبين فيتنام الشمالية، وذلك كي تنتهي الحرب التي ظلت مدةً طويلةً بين الفريقين، فقد استغرق هذا الصراع الدموي أكثر من عقدين من الزمن، وتسبب في خسائر كبيرةً لكلا الطرفين، حيث تكبَّدَت أمريكا خسائر فادحة؛ نجم عنها قتل 58000 أمريكي، وآلاف الجرحى، ومئات المفقودين، فأمر الرئيس ريتشارد نيكسون في يناير سنة 1973 بوقف إطلاق النار، وسحب القوات الأمريكية من موقع الحرب.
وفي سنة 1975، سيطرت القوات الشيوعية على جنوب فيتنام، وأنهت الحرب بذلك، وفي 1976 تم توحيد فيتنام لتصبح جمهورية فيتنام الاشتراكية.
استمرت آثار حرب فيتنام في الولايات المتحدة الأمريكية لفترة طويلة، وذلك بعد عودة القوات الأخيرة إلى الوطن في عام 1973، حيث تم إنفاق أكثر من 120 مليار دولار على الحرب، مما أدى إلى أزماتٍ داخلية، وتضخمٍ واسع، وارتفاعٍ شديدٍ في أسعار الوقود نتيجة تفاقم أزمة النفط العالمية سنة 1973.
كانت الآثار النفسية للجنود كبيرة، حيث واجههم العديد من معارضي الحرب، واتهموهم بقتل أبرياء وأطفال ليس لهم يدٌ فيما حدث، وجنود آخرون تعرضوا للتسمم؛ نتيجة شرب مياهٍ مليئةً بالمبيدات الحشرية، لذلك اعتبرت حرب فيتنام من ضمن حروب خسرتها أمريكا والتي عانى فيها الجيش الأمريكي بقوة.
5- غزو خليج الخنازير
بدأ الأمر في سنة 1952، عندما قاد فيدل كاسترو جيشه إلى هافانا، وأسقط الجنرال فولجينسيو باتيستا، رئيس الأمة المدعوم من طرف الولايات المتحدة الأمريكية.
في العامين المقبلين، حاولت الولايات المتحدة الأمريكية مع وزارة الخارجية، ووكالة الاستخبارات السرية؛ أن تغزو كوبا بعدد لا يقل عن 1400 كوبي؛ هؤلاء الغزاة قد فروا من بلادهم كوبا إلى أمريكا، وهناك تم تدريبهم، فأصبحوا جماعة شبه عسكريةٍ تسمى بـ Brigade 2506.
في 15 من أبريل سنة 1961، أقلعت طائراتٌ كوبيةٌ مسروقة، تحمل على متنها الكوبيون الغزاة إلى كوبا، حيث تم ضرب المطارات الكوبية، ولكن اتضح فيما بعد لأمريكا أن كاسترو كان على علمٍ بمخَطَّطهم، فأُخلِيَ المطار من الطائرات.
لم تسر خطة أمريكا بشكل جيد وشعروا بإحباطٍ شديد، لكن ذلك لم يمنعهم من الاستمرار في إنزال عناصر المعارضة الكوبية على الشاطئ الجنوبي للجزيرة، المعروف باسم خليج الخنازير، وكذا شنِّ غارات جوية ضد قوات كاستر التي تجاهد بكل قوتها في منع أي تسللٍ للأعداء.
استمر الأمر لثلاثة أيامٍ متواصلة، وفي كل عملية إنزال؛ تزداد شدة المقاومة الكوبية، فتصبح أكثر قوةً وصلابة، حتى انتهى الغزو باستسلام المنفيين يوم 17 من نفس الشهر، وانتهت معه عملية خليج الخنازير بالفشل الذريع للولايات المتحدة الأمريكية.
تنضم هذه العملية إلى قائمة حروب خسرتها أمريكا والتي تكبدت فيها خسائر بشريةً وصلت إلى قتل 114 شخص، وأسر أكثر من 1100. ورغم كونها مجرد غزوٍ لم يدم إلا أيامًا ثلاث، إلا أنه ظل محفورًا في تاريخ أمريكا كَوصْمِة عار؛ ومصدرِ إحراجٍ لها لفترةٍ طويلة.
رغم كون أغلب قائمة حروب خسرتها أمريكا السابقة لا تعد حروبًا بالمسمّى الفعلي، كالغزوات مثلًا، إلا أنها تعتبر مهمةً في نجاح الحروب الكبيرة، فخسارة معارك صغيرةٍ قد تكون حاسمةً في سبيل النصر الفعلي، وقد تكلف خسائر هائلة، قد تزيد من ضعف الجانب العسكري للدولة.