آخر تحديث في 15 يوليو, 2021
في أغسطس من عام 1929 من داخل الأراضي الأمريكية وبالتحديد في شارع وول ستريت بمدينة نيويورك، انطلقت أزمة اقتصادية تكاد تكون الأزمة الاقتصادية الأخطر في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية والعالم أجمع، حيث وصلت معدلات البطالة بالبلاد إلى ما يزيد عن 25% وانهار سوق العقارات بالولايات المتحدة وتضرر سوق التجارة العالمي بنسبة 65% فيما عُرف باسم الكساد الكبير.
ما قبل الكساد الكبير
بعد الحرب العالمية الأولى 1914 بدأت فترات من الانتعاش الاقتصادي؛ وذلك نتيجة لحاجة السوق إلى المزيد من كل شيء تقريبًا، وبالتالي زادت الإنتاجية لكثير من المصانع، بل وتدخل كثير من الأفراد في سوق الأسهم وكانت تصل معدلات الأرباح إلى ثلاثة أضعاف.
وبدأت فترة مزدهرة تشهد انتعاش اقتصادي قوي في الولايات المتحدة خلال العشرينيات من القرن الماضي، وسُميت تلك الفترة بالعشرينات الهادرة لتعكس واقع السوق والاقتصاد آنذاك، وكان سوق الأسهم في الولايات المتحدة ملعبًا للعديد من المضاربات المتسرعة والخطرة بدايةً من رجال الأعمال إلى عمال المصانع.
ازدهر الإنتاج الصناعي في أمريكا آنذاك الوقت من أجهزة كهربية وسيارات وطائرات، بالإضافة إلى ذلك كان ما يقارب من نصف الإنتاج العالمي يخرج من الولايات المتحدة، نتيجة لتأزم الاقتصاد الأوروبي بسبب الحرب العالمية الأولى، مما أثر بالإيجاب على القطاع الخاص وخاصةً مع توجه الحكومة في تطوير البنية التحتية.
خلال تلك الفترة قام الكثير من أفراد الفئات الاجتماعية المختلفة من الشعب الأمريكي بضخ الكثير من مدخراتهم في سوق الأسهم للحصول على المزيد والمزيد من الأرباح، ومن ثم بدأت نسب الإنتاج تتدهور مع ارتفاع تدريجي لنسب البطالة وواصلت أسعار الأسهم في الارتفاع ولو عن قيمتها الحقيقية، وبدأ سوق الأسهم في التوسع بشكل متزايد إلى أن وصل ذروته في أغسطس من عام 1929 وهو عام بداية الأزمة.
مع زيادة البطالة وزيادة ديون المستهلكين أخذ القطاعين الصناعي والزراعي كلاهما في التدهور، فقد قلت الأجور وبدأت المصانع تقلل من إنتاجها وصارت أسعار المواد الغذائية في الهبوط، وبدأ السوق الأمريكي في الدخول إلى حالة من الركود، وبدأت السلع في التراكم بشكل ملحوظ ونفور المستهلكين عن الشراء.
بداية الكساد الكبير في أمريكا 1929
كان البنك الفدرالي الأمريكي من عام 1921 مُتبع لعدة سياسات لحماية الاقتصاد الأمريكي من ركود عام 1920، وكان من بينها تقليل الفائدة لتنشيط الأسواق، بالإضافة إلى تقليل نسبة الإداعات المحفوظة بالبنوك (the reserve ratio)، وكانت تلك الإجراءات أحد أهم الأسباب التي أدت إلى الكساد الكبير.
في عام 1928 تدارك البنك الفيدرالي حتمية وقوع كساد بسبب أسعار الأسهم المبالغ فيه مع زيادة نسب السيولة المالية، وبدأ في رفع أسعار الفائدة من 2.7% إلى 5%، وبالرغم من تأثيرها على الشركات وارتفاع معدلات البطالة إلا وأنها لم تستطع الوقوف أمام طمع الربح لدى كثير من الأفراد المضاربين والمستثمرين في البورصات من الشعب الأمريكي آنذاك.
الخميس الأسود
في يوم الخميس الموافق 24 من أكتوبر عام 1929م انتشر الذعر لدى كثير من المستثمرين وخصوصًا الأفراد، وبدأوا في بيع الكثير أسهمهم الباهظة السعر وتم تداول ما يقارب 12 مليون سهم آنذاك، وانهار سوق الأسهم في أول ظهور مباشر للأزمة المستقبلية الكساد الكبير.
الثلاثاء الأسود
بعد خمسة أيام من الخميس الأسود تم تدول 16 مليون سهم في أسواق البورصة مما أدي إلى وجود ملايين من الأسهم بلا قيمة، وبدأت ملامح النهاية لأولئك المستثمرين الذين حصلوا على الأسهم من الأموال المقترضة من البنوك.
تفاقمت الأزمة بعد ذلك وتراجعت نسب الاستهلاك في البلاد، وبالتالي قلت إنتاجية المصانع وبدأت معدلات الإنفاق على الصناعة في التراجع بنسب كبيرة، وبدأت الأجور في الانخفاض وأخذت المصانع في تسريح الكثير من عمالها، وأخذ الكساد الكبير عاصفًا بكل ما حوله.
نتائج الكساد الكبير في أمريكا
زاد التدهور تدهورًا على ما هو عليه حتي وصلت معدلات البطالة إلى ما يزيد عن الستة مليون عاطل في البلاد عام 1931، وزادت طوابير الطعام وأُتلفت العديد من المحاصيل الزراعية، وما زاد الطين بلة موجة الجفاف التي ضربت البلاد وأدت إلي مقتل العديد من المواشي وإتلاف الأراضي الزراعية.
من بداية 1930 بدأ العديد من الناس يفقدوا الثقة في البنوك، مما اضطر الكثير من المستثمرين سحب ودائعهم من البنوك، والتجأت البنوك إلى تصفية قروضها وبدأت العديد من البنوك في إعلان إفلاسها، بل وأُغلقت آلاف البنوك نهائيًا نتيجة لتلك الأزمة.
تصدير الكساد الكبير للخارج
بالرغم من الأسواق العالمية في آنذاك الوقت لم تكن موحدة فعليًا، إلا وأن اعتماد العديد من الدول على الذهب كغطاء مالي أدى إلى تصدير الأزمة للعديد من الدول حول العالم، مما اضطر العديد من الدول التخلي عن فكرة العيار الذهبي كغطاء للسيولة المالية كالمملكة المتحدة واليابان وسرعان ما تعافت تلك الدول من الأزمة، والدول التي لم تعتمد على الذهب كغطاء مالي مثل الصين التي كانت تعتمد على الفضة لم تتأثر بشدة من الكساد الكبير.
وكنتيجة لبعض القرارات الخاطئة من الإدارة الأمريكية في بداية الثلاثينات من القرن الماضي التي أدت إلى زيادة الرسوم الجمركية والتي طُبقت كرد فعل للكساد الكبير، انهارت التجارة العالمية وساد من تمدد التكدس أكثر فأكثر حول العالم.
وصلت نتائج الكساد الكبير إلى الكثير من البلاد، لتمد أذرعها مسببة انخفاض مستوى دخل الفرد في العديد من الدول، بالإضافة إلى انخفاض حاد في كل من الأسعار والأرباح في القطاعات الصناعية والزراعية، بالإضافة إلى الركود الشديد في الأسواق.
الخروج من الأزمة
حاولت حكومة الرئيس الجمهوري هربرت هوفر أن تتدارك الأزمة وأن تنهيها سريعًا، فقامت بالعديد من الإجراءات، مثل دعم البنوك بقروض حكومية وبالتالي دعم البنوك لشركات القطاعات الخاص بقروض أخرى، ولكن لم تستطع الحكومة أن تحصد نتائجها المرجوة.
رئيس جديد وأمل جديد وصفقة جديدة
في عام 1932 وصل البيت الأبيض ساكن جديد بخطة جديدة للقضاء على الكساد الكبير وهو الرئيس الديموقراطي فرانكلين روزفلت، وضع روزفلت خطة جديدة أسماها الصفقة الجديدة في أحد خطاباته الانتخابية، وفور وصوله إلى البيت الأبيض بدأ بالتوجه إلى الكونجرس لإصدار مجموعة من التشريعات الجديدة للبدأ في صفقته الجديدة.
كانت الصفقة الجديدة عبارة عن مجموعة من البرامج والمعونات الاقتصادية التي قدمتها الحكومة الفيدرالية في العديد من المجالات كالصناعة والزراعة وغيرها، وبدأت الصفقة الجديدة عام 1933، وانقسمت الصفقة إلي مرحلتين وهما الصفقة الجديدة الأولي (بدايةً من عام 1933) والثانية (بدايةً عام 1935).
الحرب العالمية الثانية والكساد الكبير
بجوار الصفقة الجديدة كان للحرب العالمية الثانية دورًا بارزًا في مساعدة أمريكا والعالم للتخلص من الكساد الكبير، فقد ساهمت الحرب في زيادة الإنتاج في الصناعات الدفاعية وبالتالي خلق وظائف و تحريك السوق، وبعد القصف الأمريكي على هيروشيما وناجازاكي أدت إلى دخول المصانع الأمريكية في وضع الإنتاج الكامل.
لمدة تزيد عن العشرة أعوام وصل الاقتصاد العالمي أخيرًا إلى التعافي الكامل من آثار الكساد الكبير، لتنطوي صفحة لمرحلة تاريخية مهمة في تاريخ أمريكا والبشرية كلها، ونتيجة لأزمة الكساد الكبير تستمر الدول حتى وقتنا الحالي بضخ المزيد من السيولة المالية في الأسواق والحفاظ على توازن نسبتها مخافةً تكرار الكساد الكبير مرة أخرى.