يُعد الحزب الديمقراطي الأمريكي أحد الحزبين السياسيين الأساسيين في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو النظير التاريخي للحزب الجمهوري بالبلاد، ويُعد الحمار الديموقراطي أقدم الأحزاب الأمريكية في البلاد، ويهدف الحزب بشكل أساسي إلى حكومة مركزية ونظامًا ماليًا وطنيًا.
بداية الحزب الديمقراطي الأمريكي
لم يذكر الدستور الأمريكي الأحزاب السياسية ولكن سرعان ما تباينت الآراء وشدت الاختلافات بين الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية، ففضل بعضهم حكومة مركزية قوية وزيادة التدخل الحكومي في الاقتصاد، بينما رفض آخرون الحكومة المركزية وفضّلوا تدخل محدود للحكومة الفيدرالية في الاقتصاد.
في عام 1792 شكّل مؤيدو فكرة الحكومة الفيدرالية اللامركزية فصيلًا معارضًا، سُمي باسم “الجمهوريين الديموقراطيين”، وهيمن الصراع بين الجمهوريون الديموقراطيون والفيدراليون الذين فضلوا حكومة مركزية، حتى بعد الحرب في 1812 وانحلال الفيدراليون.
في عام 1824 بدأت عدة انقسامات داخل البيت الجمهوري، فتنافس أربعة مرشحين جمهوريين ديموقراطيين ضد بعضهم البعض، وفاز أندرو جاكسون بالتصويت الشعبي ولكن لم يستطيع الحصول على أصوات المجمع الانتخابي المطلوبة، فصارت الانتخابات أمام مجلس النواب والذي منح الفوز لجون كوينسي آدامز.
بدأ عضو مجلس الشيوخ مارتن فان بورين في آنذاك الوقت في بناء منظمة سياسية جديدة حتى تدعم الرئيس جاكسون، والذي استطاع لاحقًا رد شرف الهزيمة والانتصار أمام آدامز في عام 1828، وفي عام 1832 استخدم جاكسون حق النقض ضد مشروع يخص بنك الولايات المتحدة وسط موجة من الاعتراضات، مما دفع إلى تكوين الحزب اليميني بقيادة السيناتور هنري كلاي.
سيطرة الديموقراطيين وظهور الحمار
بحلول أربعينيات القرن التاسع عشر، أصبح الديموقراطيون واليمينيون الحزبين الرئيسيين في البلاد، مع تأييد شعبي من جميع مناطق الولايات المتحدة وسيطروا على الساحة السياسية الأمريكية، وسيطر الحمار الديموقراطي بشكل أخص على جميع الانتخابات الرئاسية من عام 1828 إلى 1856م، باستثناء مرتين فقط.
في انتخابات عام 1825 وصفوا أنصار آدامز الرئيس جاكسون بأنه “حمار” واعتنق جاكسون الاسم، بل وأصبح شعار الحمار على ملصقات الحملة الانتخابية، وتحول الحمار من وصمة عار إلى شعار رسمي للديموقراطيين منذ ذلك الوقت وإلى أيامنا هذه.
الحرب الأهلية وقضية العبودية
خلال خمسينيات القرن التاسع عشر بدأت الكثير من التحالفات السياسية في الانشقاق بسبب ذلك الجدل حول العبودية، وظهر ذلك الانشقاق عند أعضاء الحزب الديمقراطي الأمريكي بالطبع، حيث فضّل الديموقراطيون الجنوبيون العبودية في جميع مناطق الولايات المتحدة، بينما أصر الديموقراطيون الشماليون على أن تقرر كل منطقة بنفسها عبر استفتاء شعبي ليبدأ الشقاق في بيت الحمار الديموقراطي.
انقسم الحزب الديمقراطي الأمريكي في انتخابات عام 1860 حيث رشح الديموقراطيون في الشمال جون سي بريكنريدج، بينما دعم الآخرون في الجنوب المرشح ستيفن دوجلاس، وأدى هذا الانقسام إلى انتصار مرشح الفيل الجمهوري (وقد كان الحزب مُشكلًا حديثًا وقتها) أبراهام لينكولن في الانتخابات.
سيطر الحزب الجمهوري خلال فترة الحرب الأهلية وإعادة الإعمار على الكونجرس، واستمرت سيطرتهم لبقية القرن التاسع عشر، بينما استمر الحزب الديموقراطي الأمريكي في تعزيز قبضته في جنوب الولايات المتحدة، حيث عارض البيض الجنوبيين قوانين الجمهوريين في إلغاء العبودية والحقوق المدنية للأمريكيين ذوي الأُصول الأفريقية وإعطاء حقوق التصويت للرجال منهم.
بحلول منتصف سبعينات القرن التاسع عشر، تراجعت المجالس التشريعية الموجودة في الولايات الجنوبية عن عدد من القوانين التي أصدرها الجمهوريون بخصوص حقوق الأمريكيين ذوي الأُصول الأفريقية، وظلت تلك قوانين الفصل العنصري وقمع حقوق السود الجديدة سارية لوقت طويل في نفس القرن.
الكساد الكبير وصفقة الحمار الديموقراطي
خلال نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين صار الحزب الجمهوري حزب النخبة وحزب الشركات الكبرى بالبلاد، بينما الحزب الديموقراطي الأمريكي كان حزب القيم المحافظة وحزب الريف والفلاحين، واستمرت تلك السيطرة مع ازدهار الاقتصاد في عشرينيات القرن العشرين حتى وقع الكساد الكبير في عام 1929.
كان الكساد الكبير نقطة تحول ضخمة في الكثير من السياسات الأمريكية، فقد فشل الفيل الجمهوري في حل الأزمة أو الحد منها على الأقل ولكن ظهر الحزب الديموقراطي الأمريكي منقذًا للبلاد في تلك الفترة، ووصل الرئيس الديموقراطي فرانكلين روزفلت إلى السلطة في عام 1932.
فرانكلين روزفلت هو أول رئيس ديموقراطي يصل للبيت الأبيض منذ عهد الرئيس وودرو ويسلون (1913-1921)، وبدأ الرئيس الديموقراطي في تنفيذ وعده ليطلق حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والعديد من المعونات لكثير من أفراد الشعب الذين عانوا من الكساد الكبير، وليبدأ مع روزفلت عصر هيمنة الحزب الديمقراطي الأمريكي على البيت الأبيض ولمدة تصل إلي 50 عامًا باستثناء أربعة فترات رئاسية.
خلال فترة الرئيس روزفلت اعتراض الكثير من الديموقراطيين والذين رفضوا توسعة النقابات العمالية والتوسع الحكومي وانشقوا عن بيت الحمار الديموقراطي ليسكنوا عند الفيل الجمهوري، ولتبدأ موجة انقسامات جديدة وسط الحمير الديموقراطية.
حقوق مدنية واعتراضات من الديموقراطيين
في عشرينيات القرن العشرين وتحت مظلة الرئيس الديموقراطي وودرو ويلسون أُعطي حق التصويت في الانتخابات للمرأة الأمريكية وعلى وجه الدقة في 18 أغسطس من عام 1920، ولتكون بداية الحزب الديموقراطي الأمريكي في اتجاه مناهض للفصل العنصري.
في عام 1948 قدم الرئيس الديموقراطي هاري ترومان برنامجًا مؤيدًا للحقوق المدنية للسود، مما أثار حفيظة الكثير من الديموقراطيين الجنوبيين البيض وانسحبوا من المؤتمر الوطني الخاص بالحزب، بل ودفعوا بمرشحهم الخاص في انتخابات رئيس الولايات المتحدة ولكن كان الفشل مصيرهم.
منذ الحرب الأهلية كانت أصوات الأمريكيين ذوي الأصل الإفريقي تتجه نحو الجمهوريين، ولكن بعد الكساد الكبير وبعد ثورة الحقوق المدنية التي أطلقها لهم الديموقراطيين عزف الكثير منهم ليصوتوا لصالح الحزب الديموقراطي الأمريكي والذي ساعدهم في الحصول على حقوقهم.
الديموقراطيون من كلينتون إلى أوباما
خسر الحزب الديموقراطي الأمريكي خمسة انتخابات رئاسية من أصل ستة بين عامي 1968-1988، واستطاعوا السيطرة أخيرًا على البيت الأبيض في عام 1992 عندما هزم الديموقراطي بيل كلينتون الرئيس الجمهوري جورج بوش الأب وروس بيروت مرشح الحزب الثالث.
شهدت فترتي كلينتون ازدهار اقتصادي واضح ولكنه عُزل بواسطة مجلس النواب بسبب فضيحته في علاقة مع متدربة شابة، ولكن تمت تبرأته من قِبل مجلس الشيوخ في العام التالي، وفاز بعده نائبه آل جور في التصويت الشعبي في الانتخابات، ولكنه خسر أمام أصوات المجمع الانتخابي، وحاز الفيل الجمهوري جورج بوش الابن على السلطة في عام 2000.
خلال منتصف فترة حكم جورج بوش الابن استفاد الحزب الديمقراطي الأمريكي من المعارضة الشعبية الواسعة لحرب العراق، واستطاع الحمار الديموقراطي فرض سيطرته على مجلسي الشيوخ والنواب، وساهمت فترة ركود عام 2008 في تمهيد الطريق ليتولى الديموقراطيين السلطة.
في عام 2008 وصل السيناتور باراك أوباما إلى البيت الأبيض بعد أن أشعل موجة غضب شعبية تجاه سياسات الجمهوريين في ركود عام 2008، وليكون باراك أوباما هو أول رئيس أمريكي من الأصول الأفريقية، بل واستطاع باراك أوباما أن يحصد ولاية ثانية.
غذت معارضة سياسات أوباما وخصوصًا تلك المتعلقة بإصلاح نظام الرعاية الصحية الجمهوريين، واستطاع الفيل الجمهوري السيطرة على الكونجرس خلال فترتي حكمه.
استمر الصراع الدائم بين الحزب الديموقراطي الأمريكي والحزب الجمهوري الأمريكي بعد أوباما، ووصل الجمهوري دونالد ترامب في انتخابات عام 2016 إلى البيت الأبيض مع سيطرة جمهورية في ذلك الوقت على الكونجرس، ولكن لم يستطع ترامب الصمود والظفر بولاية جديدة ووصل الحمار الديموقراطي جو بايدن إلى الحكم في عام 2021.