أثناء هجرة الأمريكيين الأوائل نحو الغرب ليعبروا للبلاد الجديدة ويستقروا فيها، قابلوا العديد من العقبات بدءًا من عبور البحار والأنهار إلى ملاقاة الجوع ومواجهات الحيوانات المفترسة والوحوش، وخلال فترة الاستقرار امتدت فترات طويلة من الملل. لم يكن هنالك تلفاز ولا أفلام ولا ألعاب إلكترونية، فخُلقت حالة من الملل في أواخر القرن الثامن عشر، وصارت تلك القصص البطولية والتي تُحكى حول النار الهادئة في المخيمات هي السلاح الوحيد لقتل ذلك الملل ومن هنا خُلقت قصص التراث الشعبي الأمريكي وبالطبع كانت تلك القصص مليئة بالكثير من التزيين والتهويل، في محاولة للتغلب على الملل وصنع المزيد من الترفيه.
أشهر أساطير التراث الشعبي الأمريكي
هدفت قصص التراث الشعبي الأمريكي إلى إلهام الأمريكيين وخصوصًا المراهقين الصغار، ودائمًا ما ساعدت قصص التراث الشعبي الأمريكي الكثير من الأمريكيين في التغلب على الصعوبات وتخطي الأوقات الصعبة وخلقت بداخلهم الطموح والأمال، وفي تلك السطور التالية أبرز قصص التراث الشعبي الأمريكي.
بول بنيان (Paul Bunyan)
تعد قصة بول بنيان أحد أشهر قصص التراث الشعبي الأمريكي، فلولا بول بنيان ما كانت أمريكا مثيرة الاهتمام جغرافيًا، ابتدت تلك الأسطورة في بادئ الأمر بواسطة المعسكر الكندي الفرنسي بكندا ثم انتقلت إلى أمريكا بعد ذلك.
وصل بول بنيان إلى عالمنا بواسطة خمسة من طيور اللقلق العملاقة، وكان يبلغ ارتفاعه منذ صغره عشرات الأقدام وأينما ذهب تصنع قدميه بِركات وبحيرات فقد صنعت آثار قدمه حوالى 10000 بحيرة في مينيسوتا، واستخدم بول الصخور في إخماد الحرائق مما أدى إلى إنشاء جبل هود، وكان دائمًا بول يتجول مع ثوره الأزرق والذي كان يساويه في الحجم، وتداولت تلك القصص لأجيال وأجيال ونُصب العديد من تماثيل بول في جميع أنحاء البلاد وصار رمزًا على حب أمريكا.
جون هنري (John Henry)
على عكس الكثير من قصص التراث الشعبي الأمريكي فإن قصة جون هنري مستواه في الأصل من قصة حقيقية، وتقول الأسطورة: وُلد جون هنري كعبد في الجنوب الأمريكي في منتصف القرن التاسع عشر، وقد كان يبلغ طول جون الستة أقدام ويزيد وزنه عن 200 رطل.
كان هذا الوزن وتلك القوة تكفي ليعمل جون في مجال يحتاج إلى عمل شاق مثل البناء والسكة الحديد، ويُعتقد أن جون الحقيقي عمل في نفق بيج بيند والذي يمر عبر جبال ويست فيرجينيا، تختلف القصص المتداولة عن أسطورة جون من لسان لآخر، إذ يقول البعض أنه تحدى آلة حفر الأنفاق على من يستطيع كسر الصخور بشكل أسرع، وتدعي بعض القصص بفوزه ولكنه مات في النهاية من الإرهاق.
سالي آن (Sally Ann)
لم تحظى النساء على نصيب كبير من قصص التراث الشعبي الأمريكي، ولكن هناك بعض القصص والتي صورت نساءً بصلابة الفولاذ، ومن تلك النساء هي سالى إن ثاندر، والتي كانت زوجة ديفي كروكيت، وفي الواقع تزوج ديفي كروكيت عدة مرات في الأساطير الشعبية.
تناقلت الكثير من قصص التراث الشعبي الأمريكي عن سالي إن ثاندر كامرأة مجهولة يخرج الكلام من فمها بسرعة البرق، وقد استطاعت تلك المرأة مساعدة زوجها في الخروج من الكثير من الصعوبات والشدائد، ويُقال أنها كانت ترتدي على رأسها خلية نحل حقيقية كقبعة رأس، وأنها كانت تستمتع بوقتها في مصارعة التماسيح في أوقات فراغها.
جوني أبلسيد (Johnny Appleseed)
دائمًا ما كانت قصص التراث الشعبي الأمريكي بعيدًا عن الواقع، فإذا بحثت مثلًا عن قصة جوني أبلسيد سيخيب ظنك، فلقد كان مجرد رجل يعمل في الحضانة في أواخر القرن الثامن عشر وكان يُدعى جون بوتشمان.
كان جوني أبليسد في أساطير التراث الشعبي الأمريكي ساحرًا مبعثرًا لبذور التفاح في البحر، ولكن تداولت بعض الآراء عن حياته الحقيقية أنه كان يمتلك أرضًا في أوهايو وكان تشابمان يعمل كمبشر بالديانة المسيحية، وساعد على تحقيق السلام بين الأمريكيين الأصليين والمستوطنين البيض.
مايك فينك (Mike Fink)
نشأت أول القصص عن مايك فينك في القرن التاسع عشر واستندت القصص حوله على رجل حقيقي وُلد في عام 1780 تقريبًا، وقد أبحر فينك بزورقه على كلا من نهري أوهايو والمسيسيبي، وقاتل العديد من القبائل المختلفة من السكان الأصليين الأمريكيين.
كان فينك عاشقًا للخمر ويعيش حياة صعبة، وقد كان فينك رامي بارع للغاية، ويوجد فينك في مكانة متدنية بين الأساطير الأكثر نبلًا مثل بول بنيان وجون هنري، ويُعتقد أن سبب ذلك أنه هو من بدأ أن يحكي البطولات والقصص عن نفسه، وقد حُكي عنه أنه نصف إنسان ونصفه الآخر تمساح وأنه كان منيعًا تمامًا ضد الألم مما وضعه البعض في رتبة القديسين.
بيكوس بيل (Pecos Bill)
قصة بيكوس بيل واحدة من أشهر قصص التراث الشعبي الأمريكي على الإطلاق، وتبدأ قصته أثناء عبوره مع والديه لنهر بيكوس ويضيع منهم الطفل الصغير، ويعثر على الطفل بيكوس مجموعة من الذئاب وعاش بيكوس بينهم وترعرع معهم حتى التقى براعي بقر.
أدرك راعي البقر قوة بيكوس الخارقة، فلم يكن هناك أحد على الإطلاق أفضل من بيكوس في تربية ورعاية المواشي، فكانت قدرته الخارقة في إقناعه للحيوانات بالعمل معه، وبعد فترة قابل بيكوس فتاة في غاية اللطف وعاش معها وقضى الباقي من عمره في تربية المواشي والرعي والغناء بجانب نيران المخيم.
جيرونيمو (Geronimo)
في يومٍ ما تم القبض على زعيم أباتشي من منطقة أريزونا وكان يدعى جيرونيمو وتم احتجازه من قبل الجيش الأمريكي في عام 1876، واستطاع الزعيم الاباتشي الفرار منهم ذاهبًا نحو المكسيك وتصير الأمور حوله أكثر غموضًا بعد ذلك.
تقول القصة أنه ازداد غضب جيرونيمو تجاه الرجل الأبيض وقتل الألاف منهم، وقد كان جيرونيمو يستخدم السحر كوسيلة للبحث عنهم وكانت ضحايا جيرونيمو والتي كانت بالآلاف تتطلب الآلاف من الجنود والكشافة، ولكن عند العثور عليه وُجد أن مجموعته تتكون من 16 محاربًا فقط لا غير، وتم القبض عليه في النهاية ليموت بعدها بعدة سنوات.
ستورمالونج القديم (Old Stormalong)
وُلد ستورمالونج كطفل كبير يزيد طوله عن 18 قدمًا، وعندما كبر هذا الطفل انضم إلى عالم المحيط وعمل بحارًا، وقد كان ستورمالونج بحارًا موهوبًا وفي يومًا ما أثناء أحد رحلاته في البحر الواسع هجم وحش الكراكن -وهو وحش بحري من الأساطير الاسكندنافية- على السفينة ولكن لم يستطع الوحش البحري من إكمال هجومه بسبب العاصفة وهرب.
لم يستطع بطلنا ستورمالونج من كبح جماحه واتجه إلى أعالي البحار بحثًا عن وحش الكراكن ذاك، وقيل أن السفينة التي استخدمها ستورمالونج ارتطمت بساحل بنما وكونت قناة بنما، واستكمالًا للأسطورة علق القارب الذي أخذه ستورمالونج في القناة الإنجليزية واضطر الطاقم إلى استخدام المواد المنظفة السائلة لاستخراجه وأدت عمليات الكشط إلى تحويل منحدرات دوفر إلى لونها الأبيض الحالي.
دائمًا ما كانت قصص التراث الشعبي الأمريكي مُلهمة لكثير من الأمريكيين وزارعة بداخلهم الأمل والشجاعة وحب الوطن، وبالرغم من مرور الأعوام وظهور العديد من وسائل الترفيه المتنوعة إلا أنه ما زالت تلك القصص الأمريكية العظيمة دارجة إلى وقتنا الحالي وتستكمل مسيرات الأجيال السابقة ومتطلعة لتصل إلى كل الأجيال الأمريكية القادمة.