تُولي الولايات المتحدة الأمريكية اهتمامًا كبيرًا بالعلم والعلماء، فالإسهامات العلمية للعلماء الأمريكان في المجتمع العلمي لا تُعد ولا تُحصى، بالإضافة للدعم المادي غير المحدود من الحكومة الأمريكية للجامعات والمكتبات الحكومية والعامة، فكل الأماكن الحيوية والحكومية الكبيرة مُلحق بها مكتبات خاصة تضم عددًا كبيرًا من الكتب والوثائق المكتوبة والرقمية، ومن ضمن تلك المكتبات ذائعة الصيت “مكتبة الكونغرس“.
تاريخ تأسيس مكتبة الكونغرس
يُعتبر الكونغرس هو المؤسسة الدستورية الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية المسؤولة عن التشريعات القانونية والدستورية، ويتكون من مجلسين هما: مجلس النواب الأمريكي ومجلس الشيوخ الأمريكي. مُلحق به مكتبة خاصة يُطلق عليها اسم “مكتبة الكونغرس”، وهي المكتوبة الحكومية والوطنية الأولى للولايات المتحدة الأمريكية، وهي أقدم مؤسسة ثقافية اتحادية في الولايات المتحدة الأمريكية.
تأسست تلك المكتبة في الرابع والعشرين من أبريل عام 1800 في عهد الرئيس الأمريكي “جون آدمز” الذي وقع وثيقة نقل مقر الحكومة من فيلادلفيا إلى العاصمة واشنطن. وخُصص مبلغ مقداره خمسة آلاف دولار لشراء أول مجموعة من الكتب والوثائق لتجهيز المكتبة من لندن، وتألفت تلك المجموعة من 740 كتابًا وثلاث خرائط.
وفي عام 1814م، أحرق الجيش البريطاني مكتبة الكونغرس وفُقد ما يزيد عن 3000 مجلد، من بينهم مجلدات هامة ونادرة بالنسبة للحكومة الأمريكية مثل دفتر حساب الحكومة للإيصالات والنفقات، الذي خُطف بواسطة الأدميرال البريطاني “جورج كوبكورن”، قبل أن تعيده عائلته مرة أخرى للولايات المتحدة عام 1940.
وفي غضون شهر، عرض الرئيس الأمريكي “توماس جيفرسون” بيع مكتبته الشخصية كبديل. وقبل الكونجرس عرضه في يناير عام 1815، حيث خصص 23,950 دولارًا لشراء كتبه البالغ عددها 6487 كتابًا. ولكن عارض بعض أعضاء مجلس النواب عملية الشراء الصريحة، بما في ذلك النائب عن ولاية نيو هامبشير “دانيال وبستر” الذي رفض جميع الكتب ذات الميول الإلحادية وغير الدينية وغير الأخلاقية.
أمضى “جيفرسون” خمسين عامًا في تجميع مجموعة متنوعة من الكتب في عدة لغات وفي مواضيع مثل: الفلسفة، التاريخ، القانون، الدين، الهندسة المعمارية، السفر، العلوم الطبيعية، الرياضيات، دراسات اليونان وروما الكلاسيكية، الاختراعات الحديثة وبالونات الهواء الساخن، الموسيقى، الغواصات، الحفريات، الزراعة والأرصاد الجوية.
وبعد انتهاء الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب الأمريكي، مرت المكتبة بالعديد من التطويرات والتعديلات سواء على مستوى المباني والمساحة أو على مستوى المحتويات والمقتنيات. وفي عام 1886 تم الموافقة على التصميمات الجديدة للمكتبة، لتفتح المكتبة بعدها بعام ذراعيها للجمهور لتصبح أول مكتبة عامة لكل الشعب الأمريكي.
المحتويات والمقتنيات
تحتوي مكتبة الكونغرس أكثر من 170 مليون مادة علمية متنوعة، مُوزعين كالآتي، وذلك حسب إحصاء عام 2020:
– 25 مليون كتاب مفهرس.
– 15 مليون كتاب غير مُصنف في المجالات المختلفة مثل: الموسيقى، الصحف المُجلدة، النشرات، التقارير الفنية، والمواد المطبوعة الأخرى.
– 4.2 مليون مادة صوتية (أقراص صلبة، وتسجيلات عامة).
– 74.5 مليون مخطوطة.
– 5.6 مليون خريطة.
– 17.4 مليون قصاصة صغيرة.
– 1.9 مليون صورة متحركة.
– 2 مليون عنصر آخر يُمكن فحصها إليكترونيًا.
ويشغل المكتبة 3424 موظفًا، بميزانية مدعومة من الحكومة الأمريكية قدرها 719 مليون دولار أمريكي، واستقبلت المكتبة عام 2020 ما يُقرب من 565000 زائرًا لحرمها، وأكثر من 805 مليون متصفحًا لموقعها الإلكتروني.
وفي عام 2005 اقترح عضو مجلس النواب الأمريكي “جيمس بيلينغتون” مشروع “مكتبة العالم الرقمية”، وهو مشروع يهدف لتحويل محتوى المكتبات الورقي لمحتوى رقمي على شبكة الانترنت، بحيث يسهل على الجميع في كل أنحاء العالم تصفحه واستخدامه، وبالفعل ساهمت مكتبة الإسكندرية في تطوير المحتوى العلمي الرقمي الموجود بمكتبة الكونغرس بعد تعاون مثمر بين الطرفين، وهذا المحتوى خاص بالوطن العربي وتاريخه وثقافته وكل ما هو متعلق به في كافة المجالات.
نظام تصنيف المجلدات
يتكون النظام الرئيسي لتصنيف مجلدات من المكتبة من مجموعة حروف لاتينية، ويُمثل كل حرف فرعًا عامًا من فروع المعرفة، وتصنيف الحروف وارتباطها بالفروع كالآتي:
الفرع المعرفي |
الرمز اللاتيني |
المعارف العامة |
A |
الفلسفة والدين |
B |
العلوم المساعدة للتاريخ |
C |
التاريخ العام والتاريخ القديم |
D |
تاريخ أمريكا |
E & F |
الجغرافيا والأنثروبولوجيا |
G |
العلوم الاجتماعية |
H |
العلوم السياسية |
J |
القانون |
K |
التربية والتعليم |
L |
الموسيقى |
M |
الفنون الجميلة |
N |
اللغات والآداب |
P |
العلوم |
Q |
الطب |
R |
الزراعة |
S |
التكنولوجيا |
T |
العلوم العسكرية |
U |
العلوم البحرية |
V |
الببليوغرافيا وعلم المكتبات |
Z |
دور مكتبة الكونغرس الحكومي
تقوم المكتبة بجمع التراث الفكري سواء عن طريق الكتابات الجديدة المُسجلة قانونيًا أو الكتابات القديمة ذات الصلة بالدولة الأمريكية؛ وذلك تيسيرًا لكل المختصين والباحثين في الوصول لذلك التراث وسهولة اقتنائه والبحث بين ثناياه.
وتشرف المكتبة على المكتبات الحكومية الأخرى وذلك عن طريق رعايتها وامدادها بالكتب والوثائق والمصادر البحثية المختلفة، بالإضافة لكونها المصدر الرئيسي لتنظيم الإداريات الخاصة بالمكتبات الحكومية الأخرى عن طريق التحكم في فهرسة الكتب وطرق توزيعها على المكتبات الأخرى، مع وضع القوانين التشريعية اللازمة لإدارة تلك المكتبات وكيفية الاستفادة منها في المجالات البحثية المختلفة.
بموجب القانون الصادر في 2 يناير لعام 1976 اًنشأ مركز ” American Folklife Center” داخل المكتبة، وهي عبارة عن إدارة من إدارات المكتبة مسؤولة عن تنسيق وتنفيذ البرامج الفيدرالية وغير الفيدرالية لدعم الحياة الشعبية الأمريكية والحفاظ عليها من خلال تقديم بعض الأنشطة الفنية والثقافية التي تعبر عن الحياة الشعبية للمواطن الأمريكي.
يدير المشروع أيضًا مبادرة “الأسطوانة الموسيقية الفيدرالية”، المُكلف بالحفاظ على الهوية الموسيقية للشعب الأمريكي، وذلك من خلال الحفاظ على التسجيلات التراثية والنادرة، وإعادة إنتاجها بصورة شبيهة للنمط القديم على أسطوانات موسيقية.
ولكن الدور الرئيسي للمكتبة يكمن في مساعدة الكونغرس من خلال قسم خدمة أبحاث الكونغرس “CRS”، وهو القسم الذي يعمل حصريًا على توفير كل المصادر التي تساعد الكونغرس على اتخاذ القرارات التشريعية والرقابية. وتخدم هذه الوحدة ما يقرُب من 500000 طلب سنويًا من أعضاء الكونغرس حول استفسارات قانونية وتشريعية ودستورية.
تأسست تلك الوحدة بواسطة أمين المكتبة السابق “هربت بوتنام”، الذي امتدت فترة عمله بالمكتبة لمدة أربعين عامًا، وكانت الخدمة في البداية غير إلزامية لأعضاء الكونغرس، ولكن بعد إدراك أهميتها ومساهمتها تم إدراجها كخدمة رئيسية بالمكتبة.
رئيس مكتبة الكونغرس الحالي
تترأس الأمريكية “كارلا هايدن” المولودة في 10 أغسطس 1952 مكتبة الكونغرس حاليًا، وتُعد “كارلا” هي أول امرأة بالتاريخ تتولى أمانة المكتبة، بالإضافة لكونها أفريقية الأصل. حصلت “كارلا” على ماجستير العلوم السياسية من جامعة شيكاغو عام 1978. بدأت “كارلا” رحلتها مع المكتبات عام 1973 من خلال منصب “أمينة قسم الأطفال” بمكتبة شيكاغو العامة، وانتقلت لمكتبة الكونغرس عام 1982، وظلت لخمسة أعوام كمنسق عن خدمات المكتبة لمتحف شيكاغو للعلوم والصناعة.
في عام 2016 رشحها الرئيس الأمريكي الأسبق “باراك أوباما” لمنصب رئاسة مكتبة الكونغرس، وبعد إجراء انتخابات بينها وبين منافسيها من خلال التصويت، استطاعت حصد 74 صوت، لتُصبح الرئيس الرابع عشر للمكتبة منذ تأسيسها. أصبحت “هايدن” أيضًا أول رئيس للمكتبة يُطبق عليه قانون العشر سنوات، حيث يقضي الرئيس فترة قدرها عشر سنوات، ومسموح له الترشح لفترة رئاسية أخرى بعد انتهاء مدته.
لطالما كان العلم هو مفتاح تقدم الأمم وتطورها، لذلك تُولي الدول العظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية أهمية كبيرة لكل المصادر العلمية، وتجعلها متاحة لكل الباحثين أملًا منها من وصول العالم لكافة أنواع الناس دون النظر إلى عرق أو دين أو سياسة، وهذا هو هدف العلم الأسمى، وهو حماية كل الناس من كافة الأضرار والشرور.