الدولار الأمريكي إنها تلك العملة التي لطالما عجّ اسمها في 90% من بلدان العالم العربية منها والأجنبية. عمومًا إنها العملة الأساسية المعتمدة في الولايات المتحدة الأمريكية والتي يرمز لها بالرمز ($)، كما أنها تعتبر عملةً ثانوية تعتمد عليها بعض دول العالم إلى جانب عملتها الأساسية في التداول وإجراء الصفقات التجارية. سجلت الإحصائيات العالمية بأنها أكثر عملة متداولة في التاريخ، بالإضافة إلى أنها لعبت دورًا أساسيًا في الاقتصاد العالميّ وحركة أسواقه، علاوةً على أنها صُنفت من أكثر العملات استقرارًا. حقيقةً إن للدولار الأمريكي قصّةٌ طويلة تبدأ بنقاطٍ بسيطة وتنتهي بتشعباتٍ عدّة، لذلك سنقدم لكَ في هذه المقالة تعريفًا للدولار وعرض أهم الأسباب التي جعلته مهيمنًا.
تاريخ الدولار الأمريكي
في البداية كان يطغى على عملة الدولار الأمريكي مظهر العملة المعدنية ذات الثمانية دولارات أو الدولار الأسباني. والتي شاع استخدامها في أمريكا الإسبانية في الفترة الممتدة من القرن السادس عشر وحتى التاسع عشر، حيث تم إصدارها بهدف تمويل العمليات العسكرية. وفي عام 1785 اعتمدت الولايات المتحدة علامة الدولار باستخدام رمز البيزو الأمريكي الأسباني كدليل لها.
ومع حلول عام 1792 أصدرت الولايات المتحدة الدولار الأخضر المعدني وذلك استنادًا إلى قانون العملات الذي صدر في هذه السنة، والذي تمّ سكه في المكسيك والبيرو ليشابه في بُنيته للمرة الثانية الدولار الإسباني. حيث تم تداوله داخل أراضي الولاية إلى جانب العملات المعدنية الإسبانية، والبيزو المكسيسكي، وباقي العملات المعدنية الأمريكية. كما حدد هذا القانون أن هذه العملة تقدر بالذهب والفضة، فقد كان كل دولارًا واحدًا يساوي ما بين (371 إلى 416) حبةٍ من الفضة، وكلّ 10 دولاراتٍ تساوي ما بين (247 و270) قطعةً من الذهب. هذا ما أعطاها قوةً شرائية ضخمة آن ذاك.
وفي عام 1857 تم إصدار قانون العملات الذي صرح ومنع تداول كلٍّ من الدولار الإسباني، والبيزو المكسيكي من التداول في أراض الولايات. كما تم نشر هذه الدولارات في بعض المستعمرات البريطانية ليتم التداول فيها.
ومن ثم تمت طباعة أول ورقةٍ نقدية خضراء للدولار الأمريكي في عام 1861؛ وذلك بناءً على طلب تمويل الحرب الأهلية. وبعد سنةً تم إصدار المناقصة القانونية المعروفة باسم “أوراق الولايات المتحدة”. لينتشر بعدها نظام الطباعة الموحد والمقيد بالملاحظات لأول مرةٍ في الولاية عام 1868، وطباعتها رسميًا في عام 1869. وفيما بعد وفي عام 1944 تحديدًا عُقدت اتفاقية بريتون وودز لتقر تأسيس الدولار الأمريكي كعملةٍ عالمية، وتصبح أكثر عملة منتشرة في العالم. وفي أكتوبر عام 1976 تم حذف تعريف الدولار من الذهب رسميًا من القانون الأساسي؛ أيّ تم إلغاء الارتباط بينه وبين الذهب.
ما هي ملاحظات الدولار الأمريكي
في عام 1946 تم إيقاف طباعة الأوراق النقدية التي يزيد سعرها عن 100 دولار، كما تم إيقاف تداولها رسميًا في عام 1969. وذلك وفقًا لتشريع الرئيس الأمريكي “ريتشارد نيكسون” الذي طلب بإيقاف طباعة العملات الكبيرة، بعد أن استخدمها العديد من المنظمات الإجرامية والشعبية في خدمات الصرافة الإلكترونية. ليتم الاعتراف من ذلك الوقت وإلى وقتنا هذا بالعملات المطبوعة التي يبلغ سعرها 1 دولار، و2 دولار، و5 دولار، و10 دولار، و20 دولارًا، و50 دولارًا، وأخيرًا وأكبر عملة هي 100 دولار.
طغى اللون الأخضر على سلسلة العملات المطبوعة في 2004، لتدخل فيما بعد ألوانًا أخرى وتدمج فيه في عام 2008. وفيما بعد استمرت التعديلات على طبعة الدولار لإضافة ميزة اللمس المحسّنة إليها؛ باستثناء طبعة ال 100 دولار. كما أنهم قاموا بتكبير الرقم على الورقة ليكون أوضح وتباينه أعلى، بالإضافة إلى مزج ألوانٍ عديدة، وإتاحة قارئات العملات حتى تدعم المواطنين المكفوفين، أو من لديه إعاقةٌ بصرية.
علاوةً على ذلك تقصدت الولايات المتحدة على إصدار مجموعةً من العملات المعدنية المساعدة وهي عملة 1 سنت، و5 سنتات، و10 سنتات، و 25 سنتًا، و50 سنتًا، و 1 دولار. وذلك لدفع ثمن الأشياء البسيطة، ومن أجل تقديس أو تكريم أحد الأفراد أو الأحداث أو حتى بعض الأماكن، وأيضًا من أجل الذكرى.
تفاصيل عملة الدولار الأمريكي الورقية
تختلف ألوان ودرجات، ونقشات العملات الورقية للدولار. كما قد تم طباعة صور شخصياتٍ بارزة أمريكية مختلفة لكلّ ورقة، فقد تمت طباعة صورة أول رئيسٍ للولايات المتحدة وهو “جورج واشنطن” على عملة 1 دولار، كما قد تم طباعة صورة ثالث رئيسٍ للولايات “توماس جفرسون” على عملة 2 دولار. أمّا بالنسبة لورقة ال 5 دولارات فقد تمت طباعة صورة الرئيس السادس عشر للولايات “أبراهام لينكون” عليها. وصورة السياسي الأمريكي “ألكسندر هاميلتون” على ال 10 دولارات. وعلى عملة الـ 20 دولارًا طُبعت صورة الرئيس “أندرو جاكسون”، وبالنسبة لل 50 دولارًا فعليها صورة الرئيس الثامن عشر للولايات وهو “يوليسيس جرانت”. وأخيرًا صورة العالم والفيلسوف والسياسي الأمريكي “بنجامين فرانكلين” على عملة 100 دولار.
دور اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في الحفاظ على الدولار الأمريكي
تجتمع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة والمشهورة باختصار “FOMC” وهو البنك المركزي للولايات المتحدة ثماني مراتٍ في السنة، بالإضافة إلى بعض الاجتماعات الإضافية الاضطرارية. وذلك من أجل تقييم السياسة النقدية الأمريكية، ومراقبة تحركات السوق، وأيضًا الحفاظ على استقرار النظام المالي واحتواء الأخطاء وتداركها التي تحدث في الأسواق المالية. ففي حال احتاج الاحتياطي الفيدرالي إلى زيادة في المعروض النقدي؛ فسوف يحصل على أوراقٍ مالية غير محددة من البنوك مقابل الدولار. وإذا كان العكس فإنه سوف يبيع الأوراق المالية من البنوك؛ وذلك لإخراج الدولار من التداول.
علاقة الدولار الأمريكي بالذهب “معيار الذهب”
قديمًا كانت هنالك علاقةٌ بين الدولار الأمريكي والذهب ولكن في نهاية المطاف تم فكّ هذه العلاقة. وفي عام 1913 أنشأ قانون الاحتياطي الفيدرالي بنك الاحتياطي الفيدرالي؛ بهدف الرد على عدم موثوقية وتشتت نظام العملة الذي كان يستند سابقًا على الأوراق النقدية الصادرة عن البنوك الفردية. ففي عام 1933 عندما تم أوقفت الحكومة تحويل الأوراق النقدية إلى ذهب، كان من المطلوب تسليم الذهب إلى الحكومة الفيدرالية بسعر 20.67 دولارًا للأونصة. وفي يناير عام 1934 سُمح بالارتفاع إلى 35 دولارًا، حيث تم تخفيض قيمة الدولار من الذهب، وتم السماح به فقط في حال المعاملات الدولية. وبحلول الستينات أصبح من الصعب جدًا الحفاظ على المعيار الذهبي الجزئي.
تم إلغاء شرط الاحتفاظ باحتياطي الذهب مقابل الأوراق النقدية الفيدرالية في عام 1968. ومن ثم أعلنت الولايات المتحدة في عام 1972 بانخفاض قيمة الدولار مقابل الذهب، حتى حلول عام 1976 تم رسميًا إلغاء القانون الذي يربط بين الدولار والذهب؛ ولم يعد هنالك أي ارتباطٍ بينهما.
الدولار الأمريكي هو أقوى عملة في العالم
تدعم القوة النسبية للاقتصاد الأمريكي قيمة الدولار، وهذا ما كان السبب الأساسي في أنه العملة الأقوى. فمنذ حلول عام 2018 صرحت الولايات المتحدة أن لديها 1.671 مليار دولارًا أمريكيًّا في التداول.
وفقًا لقائمة منظمة المعايير الدولية؛ التي أفادت أن الدولار واحدٌ من 185 عملة مختلفة حول العالم، ولكنه يتحكم بحوالي 90% من تداول العملات الأجنبية. كما قدّ صرح في عام 2008 أنه يتم تسديد 40% من ديون العالم بالدولار، ولذلك تحتاج البنوك الكثير من الدولارات لإتمام الصفقات التجارية. كما تمتلك البنوك غير الأمريكية 27 تريليون دولار من الخصوم الدولية المقومة بالعملات الأجنبية؛ و 18 تريليون منها هو مقومٌ بالدولارات الأمريكية. لذلك قام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بزيادة خط مقايضة الدولار؛ وذلك حتى لا تنفذ مصارف العالم منه.
وعلاوةً على ما سبق أدت الأزمة المالية التي وقعت عام 2008 إلى توسيع نطاق استخدام الدولار. فقد احتفظت بنوك بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا بخصومٍ مقومةٍ بالدولار الأمريكي أكثر من عملتهم الأساسية. كما أدت اللوائح المصرفية التي تم سنها لمنع حدوث أزماتٍ أخرى إلى ندرة الدولارات، مما أدى إقرار الاحتياطي الفيدرالي إلى زيادة سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية؛ هذا ما أدى إلى تقليل المعروض النقدي وزيادة تكلفة اقتراض الدولارات.
سبب شهرة وهيمنة الدولار الأمريكي
حقيقةً إن السبب الأساسي لهيمنة الدولار الأمريكي أنه يسبب أكثر من 200% من أزواج العملات الأجنبية، ذلك ما جعله أكثر عملة متداولة في العالم. ووفقًا للإحصائيات التي صدرت عام 2019 فقد جاءت عملة اليورو في المرتبة الثانية بعد الدولار الأمريكية بفارقٍ يعتبر كبير يصل إلى 38% من إجمالي التعاملات. وأيضًا وصل الدولار إلى القمة كونه شَكل زوجًا أساسيًا للتعامل في الأسواق العالمية؛ مع أقوى 6 عملاتٍ أجنبية وهي اليورو، والين الياباني، والفرنك السويسري، والدولار الكندي، و الكرونا السويدية، والجنيه الإسترليني.
علاوةً على ذلك اتخذت كلّ مِن جُزر فيرجن الأمريكية، وبورتوريكو، وجوام، وعددٌ من الأقاليم الأمريكية الدولار الأمريكية كعملة أساسية للتداول.
هل من الممكن أن تتغير مكانة الدولار الأمريكي مع مرور الوقت؟
لطالما كانت هنالك إشارات استفهامٍ تدور بين الاقتصاديين، ورواد الأعمال فيما إذا انخفضت قيمة الدولار مع مرور الوقت!. بالرغم من ترليونات الدولارات من الديون الخارجية، والإنفاق المستمر؛ لا تزال الثقة العمياء تطغى على الولايات المتحدة وقدرتها على سداد ديونها والتزاماتها، ولهذا بقي الدولار الأقوى عالميًا.
حقيقةً صعود عملة اليورو، ووجود الصين في الاقتصاد العالمي هما من سببا هذه التساؤلات. ومع ذلك لم تثبت هذه الآراء صحتها إلى حدّ الآن، فما تزال قوة الدولار مسيطرةً على الأسواق العالمية؛ وذلك نسبةً للدراسات التي تجري على مدار الوقت. فقد سبب استقرار الاقتصاد الأمريكي وحجمه الضخم، وانتشار العملة على نطاقٍ واسع، وتسعير النفط والسلع الأساسية الأخرى بالدولار أعطاها ثباتًا وقوة؛ لتبقى مسيطرةً إلى وقتنا هذا.
وأيضًا شاع استخدامه في تسيير المعاملات الدولية، بالإضافة إلى أنه يعتبر أكثر أمانًا من حيث القيمة. فقد ترى في الأسواق الناشئة في بعض الدول لا يقبل تجارها بالتداول في العملة الدولة الأساسية؛ ولكنهم يقبلون التداول بالدولار الأمريكي بكلّ سرور.
آخر تطورات الدولار الأمريكي
إلى هذه اللحظة ما يزال الدولار هو العملة الاحتياطية العالمية. بحسب دراسات صندوق النقد الدولي؛ احتفظت البنوك المركزية ما يقارب 59% من احتياطياتها بالدولار الأمريكي وذلك خلال الربع الرابع من عام 2020. كما قد استمرت الديون المقومة بالدولار خارج الولايات المتحدة بالارتفاع حتى وصلت إلى 12.6 تريليون دولار في عام 2020.
لذلك ما زال الدولار مهيمنًا وقويًا إلى بداية سنة 2022. وذلك على الرغم من تصنيف الدينار الكويتي على أنه العملة الأقوى، ويأتي تصنيف الدولار في المرتبة العاشرة في جدول العملات القوية؛ ولكنه بقي المسيطر على الأسواق العالمية وحركة التداول.
ماهي العملات البديلة فيما إذا تدهور الدولار الامريكي
في الواقع هناك سلسلةٌ من البدائل التي يمكن أن تحل محل الدولار كعملةٍ احتياطية عالمية في حال تدهوره. اليورو هو الاحتياطي الأكثر استخدامًا بعد الدولار؛ لذلك من الممكن أن يحل مكانه إذا تحركت الظروف الاقتصادية لصالحه، ولكن الاتحاد الأوروبي يفتقر إلى وحدة خزانة مركزية؛ لذلك يمكن أن يكون هذا الأمر صعبًا بعض الشيء.
كما يمكن أن يتجاوز الرنمينبي الصيني الدولار وهذا ما تخطط له الحكومة الصينية حاليًا. فقد سجلت الإحصائيات أن احتياطيات العالمية قد بلغت 2%، علاوةً على أن استخدام الرنمينبي آخذٌ في الازدياد في جميع أنحاء العالم.