“حربٌ عالميةٌ ثالثة”، هذا ما يشغل عالمنا حاليًا في الأخبار العالمية، وفى الصحف والمجلات، وحتى على مواقع التواصل الاجتماعي. فقد عجّ العالم بعد أنّ شنت روسيا هجومًا مدمرًا في الرابع والعشرون من فبراير،عن طريق البحر والبر والجو على دولة أوكرانيا؛ التي تضّم أكثر من 44 مليون نسمة. حقيقةً لم تزعزع هذه الحركة أوروبا فقط، بلّ عم التوتر في جميع العالم. لتبدأ المداخلات من جميع الدول لفض النزاع والوصول إلى حلٍّ سلمي؛ يرضي جميع الأطراف. ولكن ما سبب هذا الهجوم، وما هدف روسيا منه، وهلّ تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية كعادتها؟! إشارات استفهامٍ كثيرة سوف نوضحها في مقالنا هذا، و نتطرق في حديثنا عن أهم القرارات الأمريكية بشأن حرب روسيا وأوكرانيا.
بدايات إشعال شرارة حرب روسيا وأوكرانيا
حسب التقارير والتصريحات فقد نفى الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” لعدّة أشهر أنه سيغزو جارته المدعوة بأوكرانيا. ولكن بعد فترةٍ وبدون سابق انذار مزق عقد السلام وأعلن بجملة “أن روسيا لا تستطيع أن تشعر بالأمان والتطور والوجود” تمهيدًا للحرب. ليطلق العنان لما تسميه ألمانيا ب “حرب بوتين” وتبدأ حرب روسيا وأوكرانيا. فقد حاوطها من جميع الاتجاهات الجغرافية بواسطة أقوى الأسلحة والمعدات الحربية وذلك في فجر 24 من فبراير عام 2022.
ومن ثم شن هجومٌ حاد على المطارات والمقرات العسكرية، ومن ناحيةٍ أخرى غزت الدبابات الدولة من جميع الاتجاهات، وقصفت الطائرات الحربية المدن الكبرى بما فيها العاصمة الأوكرانية “كييف”. لم يتحمل الشعب الأوكراني هذا الشيء ليفر أغلبه هاربًا ويطلب اللجوء إلى الدول الأخرى. ومع ذلك إلى هذه اللحظة تتزايد عدد القتلى والجرحى؛ حتى وجهت تهمة زعزعة السلام في أوروبا إلى الرئيس الروسي.
أسباب بوتين فيما يخص حرب روسيا وأوكرانيا
في الواقع صرح بوتين بالعديد من الجمل حول شن حرب روسيا وأوكرانيا، والتي أعتبرها الأغلبية غير منطقية وأنها مجرد حججٍ لشن الحملة. فقد جاء بتصريحه أن الهدف الأساسي من هذه الحملة هو حماية الأشخاص الذين يتعرضون للإبادة الجماعية والتنمر، ونزع السلاح من النازية في أراضِ أوكرانيا. فحتى هذه اللحظة لم تعترف روسيا بأي مصطلحاتٍ تدل على الحرب أو الغزو.
كما اتهم الرئيس بوتين أوكرانيا بأن المتطرفين قدّ سيطروا عليها، وخاصّة في عام 2014 عن احتجاج الشعب الأوكراني على رئيسها الموالي لروسيا “فيكتور يانوكوفيتش” والإطاحة به. ولكن حينها لم تقف روسيا مكتوفة الأيدي؛ بلّ ردت ذلك بالسيطرة على على المنطقة الجنوبية من شبه جزيرة القرم، وإثارة التمرد في المنطقة الشرقية. ودعم الانفصاليين الذين حاربوا القوات الأوكرانية في نزاعٍ أودَ بحياة 14 ألف شخصٍ تقريبًا.
مدى امتداد حرب روسيا وأوكرانيا
كما هو واضح أن روسيا صبّت تركيزها على المدن الكبيرة في أوكرانيا والاستيلاء عليها؛ حتى تصل إلى الحكومة الديمقراطية وتطيح بها. حيث صرح الرئيس الأوكراني “زيلينسكي” وقال “لقد صفني العدو كهدف رقم واحد، وعائلتي هي الهدف الثاني”.
لم يتحمل بوتين أن أوكرانيا يديرها الفاشيون و النازيون من 2014 وحتى الآن. فقد تحدث عنهم عنهم وقال أنه سوف يقدم أولئك الذين ارتكبوا العديد من الجرائم الدموية ضدّ المدنيين إلى المحكمة.
في الواقع أن الجميع يجهل مخططات روسيا حول هذا الهجوم، ومع ذلك صرحت بعض لتقارير الاستخبارية أن بوتين يهدف إلى تقسيم البلاد إلى قسمين. وبما أنه واجه هجومًا معاديًا من الشعب الأوكراني؛ قرر أن لا يكون رحيمًا ويستعد لقصف المناطق المدنية لتحقيق أهدافه وخططه.
موقف أمريكا من حرب روسيا وأوكرانيا
على الرغم من قوة الولايات المتحدة الأمريكية الاقتصادية، وجيشها الضخم؛ لم تستطع مجاراة روسيا؛ والوقوف في وجهها لإنهاء هجومها الحاد، ولكنها اكتفت بدعم أوكرانيا وشحن مئات الملايين من الدولارات والأسلحة إليها. كما أنها رعت تحالفًا دوليًا لفرض عقوباتٍ اقتصادية واسعة المدى، بالإضافة إلى أنها شجعت المنظمات العالمية مثل الفيفا والأولمبياد؛ ومجموعةً كبيرة من شركات التكنولوجيا على متابعة العزلة الثقافية على روسيا.
حقيقةً تحتاج القوى العظمى إلى اختيار معاركها والانخراط في سلسلةٍ من التفاصيل الصعبية كأي دولةٍ أخرى. خاصًا عندما تواجه خصمًا يمتلك تلك ذلك المخزون النووي الهائل كروسيا. وفي هذه الحرب تحديدًا الغى الشعب الأمريكي الشعارات القائلة بأن الولايات المتحدة لم تخسر أبدًا، وأنها لا تتنزال مع أي عدوٍّ يُذكر.
العقوبات الاقتصادية التي فرضتها أمريكا على روسيا
اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية إجراءاتٍ مهمة وغير مسبوقة للرد على حرب روسيا وأوكرانيا. وذلك من خلال فرض تكاليفٍ اقتصادية باهظة؛ سيكون لها آثارٌ فورية وطويلة الأجل على النظام المالي والاقتصادي الروسي بشكلٍ عام.
حيث فرض مكتب المراقبة الأمريكي بالتعاون مع بعض الشركاء والحلفاء على استهداف البنية التحتية أو الحجر الأساس للنظام المالي الروسي. بما في ذلك جميع المؤسسات والمراكز الروسية الكبرى، وبعض الكيانات المملوكة والخاصة لزيادة رأس المال، كما أنها منعت روسيا من النظم العالمي المالي.
حيث تقصدت هذه العقوبات التأثير على ما يقارب 80% من إجمالي الأصول المصرفية في روسيا، والتي ستكون ضربةً اقتصادية كبيرة لها.
تفاصيل العقوبات الاقتصادية التي فرضتها أمريكا على روسيا
بناءً على ما جاء في إعلان العقوبات الأولية منذ اسبوع. فقد اتخذت وزارة الخزانة إجراءاتٍ ضدّ المؤسسات المالية الروسية الكبرى، بما في ذلك معاقبة أكبر بنكين في روسيا وما يقارب 90 مؤسسة مالية فرعية حول العالم. علاوةً على ذلك لقد شملت هذه العقوبات بعض الأسماء الروسية الكبيرة، بجانب أفراد أسرهم. وأيضًا فرضت قيودًا جديدة إضافية تتعلق بالديون وحقوق الملكية للشركات الروسية الكبرى العامة والخاصة. وهذا ما سيقيد روسيا ويضعها في الخطر وخاصّة في زيادة رأس المال المخصص لأعمالها الحربية. حيث صرحت وزيرة الخزانة الأمريكية “جانيت يلين”: “إن أفعالنا التي سيتم اتخاذها بالتنسيق مع الشركاء والحلفاء، ستضعف قدرة روسيا على إظهار قوتها وتهديد السلام والاستقرار في أوروبا، نحن متحدون في جهودنا لتحميل روسيا المسؤولية عن غزوها الإضافي لأوكرانيا مع تخفيف الآثار على الأمريكيين وشركائنا، فإذا لزم الأمر نحن مستعدون إلى فرض المزيد من التكاليف على روسيا ردًا على أفعالها الفظيعة”.
الشركات التي تضررت من العقوبات الأمريكية على روسيا
لقد صبّت أمريكا تركيزها في فرض العقوبات الاقتصادية على أكبر مؤسستين ماليتين في روسيا؛ وهما شركة وبنك”سبير” و بنك “VTB“. حيث يشكلان سويًا أكثر من نصف إجمالي النظام المصرفي في روسيا من حيث قيمة الأصول.
تغير مسار عمل هذه المؤسسات بشكلٍ جذري، حيث كان كلاهما يعملان على إجراء الصفقات والمعاملات المالية بشكلٍ يوميّ بمقدار 46 مليار دولارٍ تقريبًا، كونهما يعتمدان على التعامل والتداول بالدولار الأمريكي بنسبة 80%. حيث سيتم تعطيل جميع هذه المعاملات في الوقت الحالي؛ وهذا ما سوف يعيد الاقتصاد الروسي آلاف الخطوات إلى الخلف.
إن بنك سبير هو أكبر وأهم مؤسسةٍ ماليةٍ في روسيا، حيث أنها تمتلك أكبر حصّةٍ سوقيةٍ من ودائع الادخار في البلاد؛ أيّ يعتبر العمود الأساس للاقتصاد الروسي. فقد طلب مكتب مراقبة الاصول الأجنبية من جميع المؤسسات المالية الأمريكية إغلاق جميع الحسابات المراسلة أو مستحقة الدفع في سبير بنك، ورفض أيّ معاملاتٍ مستقبلية تتعلق بالمؤسسات المالية الأجنبية التابعة له؛ وذلك في غضون 30 يومٍ فقط.
كما أصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التوجيه رقم (2) المتعلق بحسابات الدفع، معالجة المعاملات التي تميل إلى خدمة المؤسسات المالية الأجنبية الروسية. بحظر المؤسسات المالية الأمريكية من:
- فتح أو الاحتفاظ بحساب مراسلة أو أيّ حسابٍ مالي متعلق بروسيا، أو ممتلكاتهم، أو يخدم مصالحهم، أو حتى بالنيابة عنهم.
- معالجة المعاملات التي تنطوي إلى كياناتٍ روسية، أو خاضعة لتوجيهات، أو مصالحها المستقبلية.
ووفقًا لهذه التصريحات، يجب على المؤسسة المالية الامريكية رفض مثل هذه المعاملات ما لم يكن معفيًا، أو مصرحًا به من قِبل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية.
وبالنسبة إلى ثاني أكبر مؤسسةٍ مالية في روسيا وهو بنك “VTB”. فقد فرضت الخزانة الأمريكية حظرًا كاملًا عليها وتجميد الأصول الموجودة فيها على الفور؛ نظرًا لأنه مملوكٌ للأغلبية من الحكومة الروسية. فبهذه الحركة قامت أمريكا بقطع الشريان الأبهر للاقتصاد الروسي.
حظر الديون وحقوق الملكية من أحد العقوبات الاقتصادية على روسيا
قامت الولايات المتحدة الأمريكية في حظر الديون وحقوق الملكية ضدّ الكيانات الخاصة والمملوكة للدولة الروسية؛ لحدّها من تمويل غزوها أو حربها ضدّ أوكرانيا، وقمع أولويات الرئيس بوتين. فقد قامت الخزينة الأمريكية بافتعال هذه الحركة ليشمل جوانب أخرى من الاقتصاد الروسي. حيث قام التوجيه رقم (3) المتعلق بالديون الجديدة وحقوق الملكية المتعلق بالكيانات الروسية بفرض حظرٍ على المعاملات من قبل أيّ شخصٍ أمريكي أو داخل الولايات المتحدة التي لديها ديون جديدة تزيد مدتها عن ال 14 يومًا. وحقوق الملكية للمؤسسات المملوكة للدولة الروسية، والكيانات التي تعمل لصالح الاتحاد الروسي أو قطاع الخدمات المالية. لم يتوقف هذا القرار عند هذه النقطة؛ بلّ تعمل أمريكا على توسيعه وضم مؤسسات أكثر إلى دائرة الحظر لديها.
التراخيص العامة التي فرضتها أمريكا بشأن حرب روسيا وأوكرانيا
لم تغفل أمريكا عن نقطة التأثير سلبًا على بعض المؤسسات أو الأشخاص البريئين. لذلك قامت الخزينة الأمريكية بطرح تراخيصٍ عامة تضمن أن يكون لهذه العقوبات أو المحظورات تأثير على الأهداف، وتقليل العقوبات غير المقصودة على الأطراف الثالثة. وهذه التراخيص متعلقةٌ بالمعاملات المتعلقة بما يلي:
- المنظمات والكيانات الدولية.
- التحليق والهبوط في حالات الطوارئ.
- السلع الزراعية، والطبية، وكلّ ما يتعلق بوباء كورونا.
- الأمور المتعلقة بالطاقة.
- التعامل مع بعض الديون، وحقوق الملكية.
- وقف بعض المعاملات التي تشمل بعض الاشخاص المحظورين.
القرارات التي استهدفت النخب الروسية
وضعت الحكومة الأمريكية أولوياتها لفرض العقوبات الاقتصادية بالترتيب من الأعلى دخلًا، وحتى الأدنى بالتدريج. ولكنها كانت حاسمةً وقاسية القرارات مع ثلاثة أطرافٍ مهمة، وهي:
- العائلات القريبة من بوتين: رمت الحكومة الأمريكية شباكها من العقوبات الاقتصادية على العائلات القريبة من الرئيس بوتين، لنقل أصولهم وإخفاء ثرواتهم الهائلة. حيث وجهت أمريكا أصابع الاتهام إليهم بأنهم يستغلون معرفة بوتين ونهب الدولة الروسية.
- سيرجي سيرجيفيتش إيفانوف: وهو الممثل الرئاسي الخاص لحماية البيئة والنقل. وهو أقرب حلفاء بوتين والذي كان يشغل منصب وزير الدفاع مسبقًا، وأيضًا عضو دائم في مجلس الاتحاد الروسي. حيث كان لهذا الشخص حصةً كبيرةً من تركيز العقوبات الاقتصادية.
- نخب القطاع المالي الروسي: يستفيد كبار المسؤولين التنفيذيين في البنوك المملوكة لروسيا مثل النخبة المرتبطة بالكرملين، أو القريبي من الأسرة الحاكمة؛ بحياةٍ مترفة ومستوى معيشي باهظ. لذلك كان لهؤلاء الناس حصّةٌ كبيرةٌ أيضًا من العقوبات الاقتصادية الأمريكية.