ظهرت في السنوات الأخيرة عدة أمراض جديدة، أخْلَت بالمنظومة الصحية، وجعلت العالَم يعيش في ترقب للمصير المجهول الذي قد تُنتجه هذه الأمراض. والسمنة كمرض خطير؛ تعتبر ضمن هذه الأمراض الجديدة، خاصة في أمريكا، فنَمط العيش وكيفية استهلاك الطعام؛ أسْفَرا عن ظاهرة خطيرة، ألا وهي السمنة في أمريكا، حيث أصبحت السمنة مرتبطة بالولايات المتحدة ارتباطًا وثيقًا لا يمكن زعزعته، حتى وصل الأمر إلى أنه عند ذكر أمريكا؛ يتبادر في ذهنك فورًا الأجسام البدينة، والأجساد الضخمة المترهلة.
لذلك سنقدم في هذا المقال نظرة شاملة للسمنة في أمريكا، أسبابها، نتائجها، وبعض الحلول للقضاء عليها.
إحصائيات السمنة في أمريكا
كشفت الدراسات الأمريكية التي أجريت في مراكز السيطرة على الأمراض، وكذا البيانات التي تم تحليلها؛ حسب مسؤولي الصحة الفدرالية؛ أن السمنة ظلت ثابتة في خمسينيات، وستينيات القرن الماضي، إلا أن الأعداد تضاعفت بشكل كبير في الآونة الأخيرة. فَفي عامي 2015 و2016؛ تواجد ما يقرب من 40% من البالغين الأمريكيين الذين يعانون من السمنة، في حين بلغ عدد المصابين بالسمنة المفرطة 7.7%، وذلك بزيادة حادة عن العقد السابق، إلا أن الإحصائيات المتعلقة بالشباب الأمريكي كانت أفضل إلى حد ما، حيث إن الذين تتراوح أعمارهم ما بين عامين و19 عامًا؛ كان 18.5% فقط من يعانون من السمنة، بينما عانى 5.6% منهم من السمنة المفرطة.
إن انتشار السمنة؛ خاصة السمنة المفرطة بين البالغين، آخذ في الارتفاع بشكل كبير، فَوفِقًا لدراسات أجريت في جامعة هارفرد سنة 2018، إن 70% من البالغين الأمريكيين يعانون من زيادة في الوزن على الأقل، وأنه أصبح في كل 10 بالغين 4 يصابون بالسمنة، كما يُتوقع إصابة معظم الأطفال من عمر السنتَين بالسمنة عند بلوغهم سِنّ 35 سنة.
وفي سنة 2020، أكدت الدراسات الحديثة، أنه بحلول سنة 2030، سيكون شخصًا واحدًا مصابًا بالسمنة من بين كل شخصين بالغَيْن، وواحد من بين كل 4 أشخاص سيعاني من السمنة المفرطة، وسيتجاوز معدل انتشار السمنة عتبة إصابة 50% من السكان الأميركيين في 29 ولاية. كما ويُتوقع أنه في 25 ولاية، سيعاني شخص واحد من بين 4 أشخاص من السمنة المفرطة.
بالنسبة للأطفال؛ ووفقًا لمركز السيطرة على الأمراض ففي سنة 1980، كان حوالي 5% منهم يعانون من السمنة، لكن السنوات الأخيرة أظهرت ارتفاعًا مَهولًا في عدد الإصابات، حيث ارتفع إلى 19% ممن يعانون من السمنة، و16% منهم يعانون من زيادة في الوزن، الشيء الذي جعل الباحثين يدقون ناقوس الخطر.
أسباب السمنة في أمريكا
تستمر معدلات السمنة في الولايات المتحدة الأمريكية في التدهور، ونِسب إصابة كل منطقة، وكل فئة ديموغرافية آخذة في الارتفاع بشكل كبير. ويُؤكد خبراء التغذية وغيرهم؛ أن أسباب السمنة الرئيسية يتجلى في نمط الحياة، وعلم الوراثة، والنظام الغذائي السيئ.
أسهمت الحكومة الأمريكية في ارتفاع عدد الإصابات، وذلك راجع الى السياسات الزراعية التي تمكنت من جعل سلعٍ منخفضة التغذية رخيصة بشكل كبير، فقدمت للصناعات الغذائية فرصة جيدة في توفير الأغذية المصنعة، والتي تتكون أساسًا من الحبوب المكررة، والسكريات المضافة، والتي لا تُشعر بالشبع عند شُربها، بل ينتهي الأمر بتناول المزيد من الطعام، كما لا ننس النسب العالية من الدهون، والسكر، والملح، التي تحتوي عليها الوجبات السريعة.
ولهذه الأسباب؛ نجد أن مبيعات هذه الوجبات، ومبيعات الأطعمة الغذائية المعلبة ارتفعت في السنوات الأخيرة، بسبب زيادة الشراء والاستهلاك لدى العوائل الأمريكية ذات الدخل المنخفض، والأقليات العرقية، ولأننا نجد في المقابل؛ الخضروات والفواكه، والحبوب الكاملة، والبقوليات، والمكسرات، والبروتينات عالية الجودة أكثر سعرًا وأغلى ثمنًا، فأدى ذلك إلى إصابتهم بالسمنة بشكل مرتفع مقارنة بالعوائل الأخرى ذات الدخل المتوسط والمرتفع.
نتائج السمنة في أمريكا
المضاعفات المرتبطة بزيادة الوزن كثيرة، لكن أشهرها هو ارتفاع ضغط الدم والكبد الدهني، ومشاكل العظام، وتوقف التنفس أثناء النوم، ومرض السكري، وكلها أمراض تحدث لمن هم في منتصف العمر، لكنها أصبحت شائعة جدًا لدى الأطفال، فالدور الذي تلعبه السمنة في تعزيز الإصابة بهذه الأمراض، خاصة المزمنة منها، لهو أمر خطير، وقاتلٌ في كثير من الأحيان. فقد يصل الأمر إلى أمراض مرعبة، مثل مرض القلب والسرطان، مرض الزهايمر، ومشاكل الصحة العقلية.
لقد ساهمت الأمراض المترتبة عن السمنة في انخفاض متوسط العمر، كما أظهرت بعض الدراسات زيادة في معدل الوفاة بالنسبة للمناطق التي تعرف ارتفاعًا في معدلات السمنة في أمريكا.
إضافة إلى ذلك، تفرض السمنة خسائر اقتصادية كبيرة للبلاد، تتمثل في ارتفاع النفقات الطبية على أصحاب الدخل المنخفض، وخاصة لمرضى السكري؛ فارتفاع تكلفة الأنسولين والتي قد تصل إلى 900 دولار شهريًا، يكلف خسائر مادية للمريض وللدولة بشكل عام، وزيادة السمنة في أمريكا يؤثر على الميزانية الوطنية، وعلى التكاليف الطبية كذلك.
هل يمكن التخلص من السمنة؟
تخرج دائمًا محاولات عدة تهدف إلى خفض ظاهرة السمنة في أمريكا ولو بالقليل، فمثلًا يسعى البعض إلى منع تصنيع المشروبات المحلاة بالسكر المضاف، المتسببة بشكل كبير في السمنة. لكن يتم إحباط هذه الجهود من قبل الصناعات ذات الكفاءة العالية.
حاول البعض اقتراح بعض الحلول، كحث المطاعم على تقليل كمية الدهون، السكر، والسعرات الحرارية في الوجبات التي تقدمها بشكل تدريجي، أو بشكل خَفِي؛ حتى لا يعلم الزبائن عن مدى التغيير الذي قد يعتلي الطعام.
ومن منظور آخر، يحاول آخرون حث المجتمعات على التغيير، بزيادة وعيهم بأضرار السمنة ومخاطرها، وتفعيل خاصية الوقاية، إذ هي السبيل إلى إيقاف هذه الظاهرة، فعلى الآباء الاهتمام بأطفالهم وحمايتهم من زيادة الوزن المفرطة في وقت مبكر، ومحاولة خلق وعي لديهم بأهمية الحفاظ على صحتهم.
كما شاركت مجلة نيويورك تايمز بعض الحلول، التي إن طُبقت؛ ستساعد بشكل كبير في إنقاص ظاهرة السمنة، ولما لا إيقافها، والحلول هي كالآتي:
أوًلا: إنشاء لجنة فيدرالية لتنسيق سياسة السمنة، والتي أصبحت الآن متواجدة في العديد من الوكالات الفيدرالية والمحلية، وستكون هذه اللجنة بمثابة ثقل يوازي التأثير السياسي المدمر والممارسات التسويقية المتلاعبة للمصنِّعين.
ثانيًا: تمويل الأبحاث المتعلقة بالسمنة بشكل كافٍ في مناهج مبتكرة للوقاية والعلاج، بما يتجاوز التركيز التقليدي على تناول كميات أقل من الطعام وزيادة الحركة.
ثالثًا: فرض ضريبة على الأطعمة المصنعة، واستخدم العائدات لدعم الأطعمة الكاملة.
رابعًا: إعطاء الأولوية لجودة التغذية في البرنامج المدرسي وبرنامج المساعدة الغذائية التكميلية، وصنع وجبات صحية باستخدام الخضار ، الفواكه الطازجة، الفاصوليا، الحبوب المعالجة، والبروتينات الصحية.
وعلى الرغم من بعض التحسينات التي قد فُعِّلت في وجبات الغداء المدرسية، إلا أنه لا تزال بعض الكافيتريات تقدم الوجبات السريعة فقط.
خامسًا: حظر إعلانات الوجبات السريعة للأطفال الصغار، كما أوصت بذلك الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال. حيث تُظهر الأبحاث أن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 8 سنوات يقل التلاعب بهم نفسيًا وعقليًا بالإعلانات.
تكثر الحلول، لكن التطبيق العملي هو الذي يُجدي ثماره، فنجد مثلًا برنامج “الخاسر الأكبر”؛ الذي يعتبر من أشهر برامج الواقع الأمريكية، قد ساهم بشكل كبير في زيادة الوعي ضد السمنة، وكذا إنقاص العديد من الأوزان الكبيرة، وقد تم بثه على قناة NBC الأمريكية في عدة مواسم.
ساهم التطور التكنولوجي الذي اجتاح العالم؛ خاصة في أمريكا؛ إلى تثبيت السمنة بين سكانها، بل ازديادها بشكل خطير، فإن كنت تشعر بالجوع، وتريد طعامًا لذيذًا، فقم بضغطة زر على هاتفك، وأنت في منزلك؛ وستصلك الوجبات السريعة في دقائق، الشيء الذي جعل الطعام متوفرًا في كل وقت وحين، ولا ننس عادةَ سكان الولايات المتحدة المتمثلة في أكل الوجبات الخفيفة، والتي تعتبر شيئًا طبيعيًّا، مما يعزز ظاهرة السمنة في أمريكا.