يختلف مفهوم وتكوين الأحزاب السياسية في أمريكا عن المفهوم السائد في أوروبا، من حيث الهيكل التنظيمي أو من حيث النشأة والتكوين، وعلى الرغم من قوة الأحزاب السياسية في أمريكا وسيطرتها على نظام الحكم، إلا أن الدستور الأمريكي – والذي تبنى النظام الفيدرالي الذى أدى إلى انقسام الحياة السياسية ما بين مؤيد ومعارض للفيدرالية – لم ينص على إنشائها. وأصبحت الأحزاب السياسية في أمريكا جزءً لا يتجزأ من الديمقراطية الأمريكية.
تاريخ ونشأة الأحزاب السياسية في أمريكا
نشأت الأحزاب السياسية في أمريكا بعد إعلان استقلالها عن بريطانيا عقب انتهاء الحرب الثورية عام 1783. صدر بعدها الدستور الأمريكي الذي تبنى النظام الجمهوري الفيدرالي.
ولم يقصد الآباء المؤسسون للولايات الأمريكية أن تكون الحياة السياسية حزبية، حيث سعوا إلى وضع ترتيبات دستورية تضمن الفصل بين السلطات ووضع الضوابط والتوازنات التي تضمن حياة سياسية ديمقراطية في ظل الدستور الجديد للبلاد، وبالتالي كانت الأحزاب السياسية في أمريكا تبدو لهم فكرة غير مُجدية.
كان “جورج واشنطن” أول رئيس للولايات المتحدة غير منتمي لأي حزب سياسي، رغم أن بداية ظهور الأحزاب وجدت نقطة انطلاقها في دائرة مُستشاريه بسبب الحاجة إلى التأييد الشعبي للمحافظة على الحكم.
ومن هنا كانت نقطة انطلاق الأحزاب السياسية في أمريكا والتي بدأت بالحزب الديمقراطي وهو أقدم الأحزاب، ثم توالت بعد ذلك الأحزاب السياسية الأخرى والتي تبنت كلً منها وجهات نظر مختلفة.
الحياة السياسية في أمريكا
بدأت الأحزاب السياسية في أمريكا في الظهور عقب الصراع الذي تزامن مع الاستقلال عام 1776 حيث انقسم الشعب فئتين؛ فئة مؤيدة للمصالح البريطانية والذين عُرفوا بالمحافظين، وفئة ثانية وهم أنصار الحكم الذاتي وعُرفوا بالأحرار. ونتيجة لهذا الصراع ظهر الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري وغيرهم من الأحزاب السياسية، ولكنها لم تحظى بنفس الشعبية التي حصلا عليها كلًا من هذين الحزبين، فعُرِفت الحياة الحزبية في أمريكا بنظام الحزبين الذي ميز الأحزاب السياسية في أمريكا عن غيرها في دول أوروبا.
أولًا: نظام الحزبين
هو نظام يعتمد على احتكار الحكم من قبل حزبين رئيسيين، ولا يُشكل وجود أي أحزاب أخرى تهديدًا على وجودهما أو مستقبلهما.
يتميز هذا النظام بعدة خصائص منها:
- احتكار الحياة السياسية على حزبين يُشكل استقرار في ممارستها سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي.
- غياب المركزية في الأحزاب السياسية في أمريكا؛ فنجد أن كل عضو منتمي لأي حزب يتمتع بحرية كاملة في إبداء آرائه ومقترحاته، فضلًا عن حق كل عضو في الاعتراض على أي مشروع قانون يُعرض على الكونجرس، حتى وإن كان مُقترح من الرئيس نفسه.
- تبني الأحزاب لفكرة الانتخاب التمهيدي لاختيار المرشحين للرئاسة، وظهر هذا النظام مُبكرًا في بداية القرن العشرين. ورغم أن هذه الانتخابات المبكرة تُعتبر خطوة مهمة لدقة اختيار رئيس البلاد إلا أنها تعبر عن عدم ثقة الشعب في قادة هذه الأحزاب، بسبب تدخل الأحزاب المُسرف في سياسة الحكومة.
- عدم وجود قواعد أيديولوجية أو اجتماعية واضحة تتبعها الأحزاب السياسية في أمريكا. تتمثل كافة أهداف هذه الأحزاب في الوصول إلى الحكم والسيطرة على أغلب الوظائف الإدارية العالية في الدولة، دون مراعاة الأهداف الاجتماعية والمشاكل التي تهم الشعب. ورغم ذلك فإن الأحزاب السياسية وخاصة الحزب الديمقراطي والجمهوري يتبنوا بعض المواقف الوسطية وسياسة ذات مرونة عالية، تُمكنهم من بناء قاعدة جماهيرية كبيرة تمكنهم من تحقيق أهدافهم وهي السيطرة على الحكم.
- ينقسم كل حزب من الحزبين الجمهوري والديمقراطي ليمثل جزء من الشعب، فيمثل الحزب الجمهوري كل المدن والضواحي والحرفيين والإداريين، وغالبية البروتستانت، فُأطلق عليه حزب الطبقات العليا لانضمام كلًا من (المهاجرين من الأصول الأنجلوسكسونية، أصحاب رؤوس الأموال، البنوك ،أصحاب العقارات) إليه، كونهم يؤمنون بسياسة القوة والحزم في الحكم. أما الحزب الديمقراطي كان يضم المدن الكبيرة واتحاد العمل والعمال الأمريكيين والشباب السود والشاب الأمريكي. يهتم هذا الحزب بالأقليات ويوجه خطابه إليهم دائمًا.
ثانيًا: أقوى الأحزاب السياسية في أمريكا
الحزب الديمقراطي
هو أقدم حزب سياسي في أمريكا، نشأ عام 1828 على يد توماس جيفرسون وجيمس ماديسون لمعارضة النظام الفيدرالي الذي قامت عليه الجمهورية الجديدة،
وحاول كلًا من توماس وجيمس جمع أكبر عدد من الشعب وضمه إلى صفوفهم عن طريق عقد اتفاقيات وصرف الأموال والمناقشات الكثيرة مع مؤيدي السياسة الفيدرالية، حتى أطلقوا على أنفسهم الحزب الديمقراطي وهو حزب الأكثرية.
تركزت أهداف هذا الحزب على:
1- فهم واستيعاب المبادئ الديمقراطية والأساسية في الدستور، وجعل نظام الحكم يقوم على أساس الإرادة الشعبية وإبقاء الحكم في يد الشعب.
2- السعي لرفع مستوى المعيشة في أمريكا وجعلها بلدًا مفتوحًا لجميع الوافدين إليها بحثًا عن حياة أفضل، وتوفير كل الخدمات والتسهيلات إليهم.
3- أن يكون لأمريكا دور فعال في مساندة كل الثورات التي تحدث في العالم، وبالفعل ساندت أمريكا فرنسا في ثورتها في السنوات الأولى منها.
من أشهر الرؤساء الأمريكيين الذين انتموا إلى هذا الحزب الرئيس ” جيمي كارتر” و الرئيس “باراك أوباما” وأخيرًا الرئيس الحالي لأمريكا “جو بايدن“.
الحزب الجمهوري
يُعرف هذا الحزب بإسم ” الحزب القديم العظيم”، وهو أحد الحزبين الرئيسين في أمريكا. تأسس هذا الحزب عام 1854 نتيجة لاعتراض الجماهير على “قانون كانساس” والذي سمح بانتشار العبودية بشكل كبير في أمريكا. دعم الحزب الجمهوري الليبرالية الكلاسيكية والإصلاح الزراعي وحارب العبودية بقوة،
فتم حظر العبودية في الولايات المتحدة بعد تولي الرئيس “أبراهام لينكون” الحكم، وهو أول رئيس أمريكي ينتمي لهذا الحزب.
تمثلت أيديولوجية الحزب الجمهوري في:
1- الجمع بين السياسات الاقتصادية المُحافظة والقيم المجتمعية المُحافظة؛ فتقدم بخطة للكونجرس يدعم فيها تخفيض الضرائب وفرض قيود على الهجرة وزيادة الإنفاق العسكري وتقوية الجيش.
2- دعم الجمهوريين سياسة عدم التدخل بالاقتصاد نتيجة لإيمانهم بدور الأسواق الحرة والإنجاز الفردي في الحياة الاقتصادية.
من أشهر الرؤساء الأمريكيين الذين انتموا إلى هذا الحزب الرئيس” جورج بوش الأب” والرئيس ” جورج دبليو بوش” والرئيس “دونالد ترامب“.
بعض الأحزاب السياسية الأخرى
رغم اعتماد نظام الحزبين في أمريكا وسيطرة الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري على الساحة السياسية إلا إنه توجد العديد من الأحزاب السياسية الأخرى يصل عددهم إلى 32 حزب، أبرز هذه الأحزاب هي:
- حزب الاستقلال وتأسس عام 1971
- حزب الخضر وتأسس عام 1991
- حزب الدستور وتأسس عام 2002
ولا تلعب هذه الأحزاب أي دور مباشر في الحياة السياسية، سوى أنه يمكنها التحكم في الانتخابات وعدد أصوات الناخبين لحرمان حزب معين من الفوز في الانتخابات. وتبقى الساحة السياسية للحزبين الرئيسيين وهما الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري.
ثالثًا سياسة الأحمر والأزرق
استخدم النقاد السياسيين الأمريكيين اللونين الأحمر والأزرق لتقسيم الولايات المتحدة الأمريكية للتفرقة بين الأحزاب السياسية في أمريكا (الديمقراطيين والجمهوريين)، ولكن واقع الأمر أن هذه التقسيمات لم تكن على أساس الانتماء إلى الأحزاب فقط، بل إنها أيضًا تُشير الأُسس والقيم المجتمعية والثقافية التي تبناها كل حزب.
كانت الولايات ذات اللون الأحمر- وهي الولايات الموجودة في الجنوب الغربي عمومًا- جمهورية، محافظة، متدينة.
وتُشير الولايات الزرقاء -الموجودة في الشمال الشرقي- إلى كونها ديمقراطية، ليبرالية، علمانية، حضرية.
ونظرًا إلى أن هذين الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) هما الحزبين المسيطرين على الحياة السياسة، فإنه عند حدوث انتخابات أو تصويت على قرار مشروع قانون يتم تلوين الولايات إما باللون الأحمر وتعني الموافقة على اقتراح أو مُرشح الحزب الجمهوري، وإما باللون الأزرق وتعني الموافقة التابعة للحزب الديمقراطي، وبات هذا النظام هو النظام السائد في أمريكا منذ عهوده القديمة.
تتميز الأحزاب السياسية في أمريكا بنظامها المزدوج الذي يساعدها في مواجهة الأزمات والسيطرة على نظام الحكم ونشر الوعي السياسي بين كافة الشعب، ورغم أن نظام الحزبين السائد في أمريكا هو نظام بريطاني الأصل عُرِف بجموده إلا أن أمريكا اتبعت هذا النظام وأضافت إليه المرونة العالية لتتمكن من تحقيق أهدافها المرجوة منه.