غُرف الإنسان بالفضول الغلاب الذي تخطى الحدود وجعله يتدخل في أدق تفاصيل الحياة ومخلوقاتها. ومن أحد أهم الأشياء التي اهتم بها هي الكون وما يحتويه من كواكبٍ، ومجرات، وثقوبٍ، وأحجار، وما إلى ذلك. حتى أنّ وصل بشغفه العلميّ؛ ليتفحص سطح القمر عن كثب، ويدرس بنيته وتركيبته الجغرافية، إلى أن أصبحت الرحلة إلى القمر الآن بمثابة نزهةٍ واستجمام لرواد الفضاء. فقد قاموا بنقل الصخور من سطح القمر إلى الأرض، لدراستها عن كثب وتحليل بنتيها وتركيبتها الكيميائية؛ لمعرفة ما إن كانت صالحًا للعيش البشريّ أم لا. لذلك سوف نعرفك في هذه المقالة على ما تدعى ب أبولو 11 وما اكتشفته على سطح القمر.
من هي أبولو 11
اتخذ رائديّ الفضاء “باز ألدرين” و “نيل أرمسترونج” في 2 يوليو عام 1969؛ الخطوات الأولى للإنسان على جسم كوبٍ آخر، وذلك باستخدام مركبة أبولو 11. حيث تميزت هذه المركبة بمساحتها الداخلية الواسعة لتكون وسيلة نقلٍ استثنائية، ومكانًا مكتفيًا ذاتيًا للمعيشة والعمل على حدّ سواء. وفي بيئية الفضاء المعاكسة لكوكبنا، وفرت هذه المركبة كلّ احتياجات رواد الفضاء للرحلة؛ من حمايةٍ، ومعداتٍ للطيران والعمل، والهواء والاوكسجين، بالإضافة إلى الطعام والملابس، والحمامات المكافئة للفضاء، وغيرها من الأشياء.
الوصف التفصيلي لهيكل أبولو 11
تكونت بنية أبولو 11 من ثلاثة مركباتٍ فضائية، ولكن القطعة الوحيدة التي عادت إلى الأرض هي الأولية والأساسية والذي تدعى “كولومبيا”. والتي تم تقديسها ودراستها بإتقان ووضعها في المعرض بعد وصولها إلى الأرض مباشرةً. فعند دراستها عكست كمية البراعة والتخطيط الدقيق لإجراء الرحلة عبر الفضاء. والآن سوف نعرض لك تفاصيل كلّ قطعةٍ على حدى:
وحدة القيادة كولومبيا
حملت وحدة القيادة كولومبيا في أبولو 11 وهي أول قطعةٍ للمركبة؛ رواد الفضاء “نيل” و “باز” و”كولينز” طوال فترة رحلتهم التاريخية. حيث تم أخذ نمط التصميم غير الحاد لهذه القطعة؛ حتى تتشابه مع المركبات الفضائية التي تسافر عادةً إلى عطارد. كما تم بنائها لتصبح أقوى مقاومةً من القطع الباقية وتصارع الغلاف الجوي مع درعها الواقي من الحرارة؛ لضمان عودتها بدون تفتتٍ إلى الأرض.
أما عن مواصفاتها الفنية فقد صنعتها وكالة ناسا الأمريكية بارتفاعٍ يبلغ 3.2 مترًا، وقطرٍ يصل 3.9 متر. وبالنسبة إلى وزنها فقد يصل إلى 13 ألف رطل؛ أي ما يقارب 5900 كجم.
وحدة الخدمة
وهي الجزء الثاني من المركبة. والتي احتوت على الأوكسجين والماء والطاقة الكهربائية. بالإضافة إلى نظام الدفع الخدميّ، والمحرك الصاروخي الذي يسمح للمركبة الهبوط على القمر، وضمن عودتها إلى الأرض. حيث تم التخلص من هذا الجزء في طريق العودة ؛ وقبل دخول أبولو 11 إلى الغلاف الجوي.
الوحدة القمرية
وهي القطعة الثالثة من المركبة. والتي كانت بمثابة قاعدةٍ أثناء وجود رواد الفضاء على سطح القمر، حيث كانت تساعدهم على الالتقاء، والالتحام بوحدة القيادة التي تدور حول القمر. ونظرًا لكونها مصصمةٌ من أجل التحليق في الفضاء فقط، فلم يكن من الضروري أن تكون مزودةً بالدرع الحراري. لذلك لا يمكنها العودة إلى الأرض. أمّا عن المواصفات الفنية لهذا الجزء. فقد بلغ وزنها بدون وقود 3920 كجم، ومع وقود 14700 كجم. ونسبة ارتفاعها إلى عرضها فقد كانت (7.0/9.4).
مهمة هبوط أبولو 11 على سطح القمر
تم إطلاق أبولو 11 لأول مرةٍ من مركز “كيب كينيدي” التابع لوكالة ناسا العالمية الامريكية في الساعة 13:32:00 بتوقيت جرينيتش، وذلك في السادس من يوليو عام 1969. وبعد ساعتين و 33 دقيقةٍ من انطلاق الرحلة في مدار الأرض، تمت إعادة تأهيل وتشغيل محرك المركبة إلى السرعة المطلوبة حتى تتخطى الجاذبية الأرضية.
وصلت المركبة المدار القمري بعد 75:50 من الوقت المنقضي من الأرض، والتي أخذت حينها مدارًا بيضاويّ الشكل؛ بالإضافة إلى أنها كانت مائلةً بمقدار 0.25 درجة إلى المستوى الاستوائي القمري. وفي الساعة 80:12 أعيد تشغيل نظام الدفع الخاص بوحدة الخدمة، ليتنقل شكل المدار إلى الدائري فوق سطح القمر. استغرقت هذه الحركة واستمرت لمدة ساعتين متواصلة؛ حتى أخذ التقط الرواد بعض الصور المدارية حول القمر، ومناظرٌ أخرى من أجل دراسة الجيولوجيا القمرية الإقليمية.
بعد مرورة 100 ساعةٍ من الرحلة بدأت عملية الهبوط على سطح القمر. حيث قام كلٌّ من “ألدرين” و “أرمسترونج” اللذان تمركزا في وحدة القيادة؛ بفصل الوحدة القمرية عن المركبة لتسهيل عميلة الهبوط، والتي تمت بالكامل بعد مرور ساعتين و 45 دقيقة و 40 ثانية بعد إطلاقه.
يُذكر أنه من شدّة الحماس لم يستطيعوا الرواد أن يناموا؛ بلّ فضّلوا أن تتم العملية بدون تأجيل. ليقوم “أرمسترونج” بالنزول من المركبة الفضائية أولًا، والذي قام بتثبيت خطوط التلفزيون والكاميرا مباشرةً؛ لنقل الأحداث على العلن. ومن ثم بدأ بجمع بعض العينات من سطح القمر لنقلها إلى الأرض ودراستها، لينزل فيما بعد رائد الفضاء “ألدرين” ويساعده في ذلك.
حقيقةً لقد خطط الرواد لعدّة أشياءٍ وهي نشر تجربة الرياح الشمسية، وجمع أكبر عينةٍ للمواد القمرية، وأيضًا التقاط بعض الصور البانورامية للمنطقة القريبة من الهبوط والأفق القمري على حدّ سواء، بالإضافة إلى بعض الصور المقربة للمكان. حيث تم جمع كلّ هذه الأشياء في أنبوبين أساسيسين.
بعد ما يقارب من الساعتين والربع ساعة من من نزلوهم إلى القمر، بدأ رواد الفضاء الاستعداد للعودة إلى أبولو 11 مرةُ أخرى وأخذ قسطٍ من الراحة. وبعد مرور 124 ساعةً و 22 من الرحلة بدأت المركبة تودع سطح القمر وتعلن رحيلها، لتصل إلى الغلاف الجوي بعد مرور 21 ساعةً و 36 دقيقةً. صححت المركبة مسارها أربع مرات في منتصف الرحلة والمسار الذي كان مخطط، إلى أن وصلت الأرض بسرعة 36194 قدمًا في الثانية؛ أيّ ما يقارب 11.032 مترًا في الثانية، لتهبط بسلام في المحيط الهادئ.
ماذا اكتشفت أبولو 11 على سطح القمر؟
حقيقةً تم جمع 22 كيلو غرامًا من الغبار والصخور القمرية التي أعيدت للأرض وقدمت 49 كنزًا من المواد التي فتحت الباب أمام رؤى بشأن العالم الآخر. كان فضول رواد الفضاء كبيرٌ جدًا حيث أنهم قاموا باجراء الدراسات والأبحاث في طريق عودتهم إلى الأرض فقد قاموا بجمع المعلومات حول الأيام الأولى للنظام الشمسي وتكوين بنية الأرض، بالإضافة إلى بعض الروابط التي تجمع الأقمار الصناعية مع كوكبنا.
فقد تم الإفراج عن عددًا وجيزًا من المعلومات في الصحف والمجلات العلمية بعد مضي ستة أشهرٍ فقط من العينات الأولى. وفي شهر يناير من عام 1970 طرحت مجلة القمر ما يقارب 150 مقالًا علميًا يناقش فيه الاكتشافات القمرية الجديدة، والتي كانت معظمها مبينة على العينات التي عادت إلى الأرض. لذلك إليك أهم ما أثبتته عن سطح القمر:
سطح القمر صلب
قبل هبوط رواد الفضاء على سطح القمر، صرحت بعض الدراسات والملاحظات من قبل علماء الفضاء أن القمر مغطى بغبارٍ ناعم يشبه الرمال المتحركة أو مغطى بقطعٍ حجريةٍ مدمرة، هذا ما بعث الخوف في نفوس الرواد وجعلهم يستنكرون لمدى أمان السطح للاستكشاف البشري. ولكن تدخل “باز ألدرين” في الموضوع وأعطى رأيه على كيفية اصطدام الغبار القمري الناتج عن الوحدة بسطح القمر، كونه قام بلمس الموضوع حين علقَ على ارتفاع 40 قدمًا فوق سطح الأرض.
ولكن عندما صعدت أبولو 11 وأخذت العينات من سطح القمر. فقد تضمنت الاستنتاجات حولها أن سطح القمر عبارة عن مزيجٍ من حبيباتٍ صغيرة من الغبار وصخور أكبر بقليل. حيث رست بعض الصخور على السطح، بينما دُفن البعض جزئيًا أو كليًا في الغبار. كما قدّ لاحظ الرواد أن لون الثرى وسطوعه يتغيران من زاوية الرؤية، بالإضافة إلى أن المناطق التي مشى أو أزعجها الرواد أصبحت غامقة اللون أكثر من المناطق الأخرى.
القمر مغطى بالثرى
يشمل الثرى القمريّ الغبار الرمادي الناعم، وشظايا الصخور المحلية، كما اكتشفت أبولو 11 على قطعٍ من الزجاج البركاني. ونظرًا لافتقار القمر إلى الغلاف الجويّ، فإن الطبقات العليا من الثرى القمري تتعرض للأرصاد الجوية الدقيقة وشعاع الرياح الشمسية.
أثبت الثرى عدوانيته الشديدة حين هبط الرواد على القمر. حيث أنه غزا جميع زوايا وأركان الوحدة القمرية، وبدلات رواد الفضاء، وحتى صناديق جمع العينات. حيث كانت الحبيبات الصغيرة التي التصقت بالأدوات كفيلةً بجمع كمياتٍ كبيرة من العينة.
للقمر قشرة ولب وغطاء مثل الأرض
على الرغم من تجربة أبولو 11 القصيرة، والتي استمرت ثلاثة أسابيعٍ فقط. إلا أنها قدمت أول نظرةٍ مفيدة لعلم الزلازل القمرية. حيث تم اكتشاف الزلازل القمرية بواسطة أبولو 11، و12، و14، و15، و16، والتي قدمت جميعها نظراتٍ ثاقبةٍ لطبقات القمر.
وفقًا لعالم الكواكب “ديفيد ويليامز” الذي يعمل في مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لوكالة ناسا. والذي قال حسب دراساته لعينات أبولو 11؛ أن الجزء الداخلي من القمر يخفي قلبًا صلبًا نسبيًا يمتد بنسبةٍ أقل من 25% من نصف قطر القمر؛ أيّ أقل من نصف النسبة ممتلئة.
كما أعطى مقياس الزلازل العلماء نظرةً أوسع على الطبقة العليا من القمر، هذا ما سمح لهم بتحديد أن قشرة القمر تتراوح بين 37 و 44 ميلًا (60-70 كيلو متر)؛ أيّ حوالي ثلاثة أضعاف متوسط سماكة القشرة الأرضية.
القمر قديم وحفره قديمة أيضَا
ساعدت العينات التي تم إحضارها من القمر العلماء على تحديد عمر القمر وسطحه، مما يشير إلى أنه تشكل في وقتٍ مبكر من حياة النظام الشمسي. حتى تمّ تقديره ب 4.5 مليار سنة، أمّا عن عمر الصخور التي تم جمعها في المهمة فقد قدر عمرها ب 3.2 مليار سنة.
صورة القمر هامدة إلى حدٍ كبير وتشبه صور الأرض
حلل العلماء في الماضي والحاضر عينات من القمر بحثًا عن موادٍ عضوية، ولم يجدوا شيئًا. وبعد عقودٍ من وصول العينات إلى الأرض، أعاد العلماء تحليل بعض صخور القمر من أبولو 11، ليكتشفوا كمياتٍ ضئيلة من المياه في تلك العينات. حيث توصل الباحثون إلى أن المياه وصلت إلى سطح القمر عن طريق ارتطام المذنبات والنيازك بالسطح.
القمر يبتعد عن الأرض
إن قياس المسافة بين القمر والأرض كانت من إحدى أهداف أبولو 11. حيث استطاع رواد الفضاء قياس المسافة عن طريق اضاءة المرايا المصممة بعناية من أشعة الليزر الموجهة من التلسكوبات الأرضية الكبيرة. بالإضافة إلى ذلك كشفت التجربة أن القمر ينحسر عن الأرض بمعدل 1.5 بوصة؛ أيّ ما يعادل 3.8 سم سنويًا.
تتغير الرياح الشمسية
كانت أبولو 11 هي الأولى من بين عدّة بعثات لأبولو لنشر تجربة تكوين الرياح الشمسية. وهي عبارةٌ عن لوحٍ من رقائق الألمنيوم تم نشره على عمود يواجه أشعة الشمس. أمّا عن الرياح الشمسية فهي فيضان من الجسيمات المشحونة المتدفقة من الشمس عبر النظام الشمسي.
ومن أجل فهم الجسيمات الموجود في تلك الرياح الشمسية بشكلٍ أفضل، قام رواد الفضاء برفع الصحيفة المعدنية وتركوها مكشوفة لمدة 77 دقيقة، ومن ثم قاموا بجمعها وعادوا إلى أمريكا، ليتمكنوا من تحليلها كيمائيًا.