الحياة في أمريكا

عيد الهالوين.. تاريخه وقصته وكيف يحتفل الأمريكيون به

عيد الهالوين

يعتبر عيد الهالوين أحد أشهر الأعياد في الولايات المتحدة الأمريكية، ويُسمى أيضًا بيوم الموتى أو يوم الأرواح أو عيد الرعب. يتم الاحتفال به كل عام في اليوم الواحد والثلاثين من شهر أكتوبر، إذ يُعدُّ ذلك اليوم عطلة رسمية في جميع أنحاء البلاد.

نشأ العيد في أوروبا كتقليد سنوي يقوم به الناس لدرء الأشباح والاحتفال بالحصاد كما يعتقدون، ثم انتقل إلى أمريكا وتطوّرت تقاليده وأشكال الإحتفال به عبر السنين. ينفق الأمريكيون اليوم ما يقدر بنحو 6 مليارات دولار سنويًا على عيد الهالوين، ليكون ثاني أكبر عطلة تجارية في البلاد بعد عيد الميلاد.

 تاريخ عيدالهالوين عبر السنين:

عيد الهالوين

نشأ عيد الهالوين في أوروبا كتقليد وثني لطرد الأرواح عند شعب الكلت  -شعب السلتيك- القديم في مهرجان سامهين، كان الناس يشعلون النيران ويرتدون الأزياء لدرء الأشباح.

عاش السلتيون قبل حوالي 2000 عام، في المنطقة التي تُعرف الآن بأيرلندا والمملكة المتحدة وشمال فرنسا، وكان عامهم الجديد يبدأ في الأول من نوفمبر، لذلك كان يوم 31 أكتوبر يعني لهم نهاية الصيف والحصاد وبداية الشتاء المظلم والبارد، كان يعتقدون أنه في الليلة التي التي تسبق العام الجديد، تُصبح الحدود بين عالم الأحياء والأموات غير واضحة، وأنّ أشباح الموتى تعود إلى الأرض، لتسبب في المتاعب وتُتلف المحاصيل، كما اعتقدوا أن وجود الأرواح يسهَّل على الكهنة إجراء تنبؤات حول المستقبل، فكانت هذه النبؤات بالنسبة لهم مصدرًا لمعرفة أحوالهم ومستقبلهم، خلال فصل الشتاء الطويل. 

 كانوا يشعلون نيرانًا ضخمة يعتبرونها مقدسة للاحتفال بالحدث، فيتجمّع الناس لحرق المحاصيل والحيوانات كتضحيات لآلهة الموت السلتية، ويرتدون أزياء تتكون عادة من رؤوس وجلودِ حيوانات، ويحاولون معرفة ثروات بعضهم البعض، وعندما ينتهي الاحتفال، يُشعلون مواقدهم في البيوت من النار المقدسة للمساعدة في حمايتهم كما يظنون خلال فصل الشتاء. 

في عام 43 من الميلاد، احتلت الإمبراطورية الرومانية غالبية أراضي شعب السلتيك، وعلى مدار 400 عام من حكمهم لأراضي السلتيك، جمع الرومان بين مهرجانين من أصل روماني مع احتفال سامهين التقليدي لشعب سلتيك، كان احتفال الرومان الأول يُقام في أواخر أكتوبر كتقليد لإحياء ذكرى الأموات، أمّا الثاني فهو تكريم “بومونا” إلهة الفاكهة والأشجار الرومانية، وكان رمز بومونا الرومان هو التفاحة، وربما يُفسر دمج هذا الاحتفال مع مهرجان سامهين استخدام اليقطين في عيد هالوين اليوم. 

اقرأ أيضًا: تعرف على تاريخ المسلمون في أمريكا

دخول المسيحية وتأثيرها على عيد الهالوين:

عيد الهالوين

بعد دخول المسيحية لأوروبا، كرّس البابا بونيفاس الرابع البانثيون في روما تكريمًا لجميع الشهداء المسيحيين في 13 مايو عام 609م، وأُقيم عيد الشهداء الكاثوليكيين في الكنيسة الغربية، ثم بحلول القرن الثامن الميلادي قام البابا غريغوريوس الثالث بتوسيع المهرجان ليشمل جميع القديسين، ونَقل الاحتفال من 13 مايو إلى 1 نوفمبر.

في القرن التاسع، انتشر تأثير المسيحية في أراضي شعب السلت، إذ امتزج تدريجيًا مع طقوس السلتيك القديمة وحلّ محلها. ثم في عام 1000 من الميلاد، خصصت الكنيسة يوم 2 نوفمبر يومًا للأرواح ولتكريم الموتى، ويعتقد الناس اليوم أن الكنيسة كانت تحاول استبدال مهرجان الموتى لشعب السلتيك بعطلة ذات صلة بالمسيحية لتسمح بها الكنيسة. 

في النهاية اندمجت تقاليد الاحتفال بعيد القديسين بتقاليد عيد الهالوين، إذ كان الاحتفال يتم بنيران كبيرة ومسيرات وبارتداء أزياء القديسين والملائكة والشياطين، كان يُطلق على الاحتفال بعيد جميع القديسين اسم “All-hallows أو All-hallowmas”، المأخوذة من الإنجليزية الوسطى والتي تعني “عيد جميع القديسين” ، وهكذا سمي العيد في النهاية عيد الهالوين، ثم تطور بمرور الوقت إلى يوم من الأنشطة، والتجمعات الاحتفالية، وما زالت بعض الطوائف المسيحية تُعارض هذا العيد، إذ تعتبره ضربًا من الشعوذة وعيدًا شيطانيًا. 

وصول عيد الهالوين إلى أمريكا:

عيد الهالوين

كان عيد الهالوين والاحتفال به محدودًا للغاية في إقليم نيو إنجلاند بأمريكا، الإقليم الذي انطلقت منه شرارة توحيد الولايات المتحدة، بسبب المعتقدات البروتستانتية الصارمة للمستعمرين الأوائل، لكنه كان أكثر شيوعًا في ماريلاند والمستعمرات الجنوبية لأمريكا، ومع تداخل معتقدات وعادات المجموعات العرقية الأوروبية المختلفة مع الهنود الأمريكيين، بدأت تظهر نسخة أمريكية مميزة من الهالوين، إذ تضمنت الاحتفالات الأولى الحفلات مسرحية، وهي فعاليات عامة أقيمت للاحتفال بالحصاد، كان الجيران يتبادلون قصص الموتى والأشباح والقصص المرعبة، ويرقصون ويغنون ويخبرون بعضهم البعض عن ثرواتهم.  

حتى مُنتصف القرن التاسع عشر، لم يكن عيد الهالوين شائعًا في كل الولايات المتحدة، ولكن في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مع تدفُّقِ حركة المهاجرين الجدد لأمريكا، ساعد هؤلاء المهاجرون الجدد، وبالأخص ملايين الأيرلنديين الذين فرّوا من إيرلندا، في ترويج الإحتفال بعيد الهالوين على مستوى أمريكا كُلِّها، أصبح عيد الهالوين يوم عطلة رسمي، مع إقامة المسيرات والحفلات الترفيهية في مراكز المُدن الأمريكية، وذلك بحلول عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، إلا أن التخريب المُتعمد بدأ يشوب بعض مظاهر الاحتفال في العديد من المجتمعات خلال ذلك الوقت.

بحلول الخمسينيات كانت أعمال التخريب قد قلّت لحد بعيد، تطور بعدها عيد الهالوين ليكون عُطلة موجهة بشكل أساسي إلى الشباب، نظرًا للأعداد الكبيرة من الأطفال الصغار خلال فترة ازدهار المواليد في الخمسينيات، ثم انتقلت الحفلات من مراكز المدينة إلى الفصول الدراسية أو المنازل، إذ يمكن استيعاب التخريب والحيل بسهولة. 

اقرأ أيضًا: تمثال الحرية الأمريكي .. تعرف على قصته وتاريخه

تاريخ عبارة هالوين الشهيرة “خدعة أو حلوى”

عيد الهالوين

بدأ الأمريكيون في ارتداء الأزياء والذهاب من منزل إلى منزل لطلب الطعام أو المال بنفس التقاليد الأوروبية،  وهي ممارسة أصبحت في نهاية المطاف تقليدًا يتم اختصاره بجملة “خدعة أو حلوى”، بين عامي 1920م و 1950م تمّ إحياء ممارسة الخدعة أو الحلوى التي استمرّت لقرون. كانت الخدعة أو الحلوى طريقة غير مُكلفة للمشاركة في احتفال عيد الهالوين، كما يمكن للعائلات منعُ ممارسة الحيلِ عليهم من خلال تزويد أطفال الحيِّ بمكافآت صغيرة، وهكذا وُلد تقليد أمريكي جديد واستمرّ في النمو، اعتقدت النساء الشابات أنّ بإمكانهن معرفة أسماء أزواجهن المستقبليين في عيد الهالوين، عن طريق القيام بالحيل باستخدام خيوط الغزل أو تقشير التُفاح.

في مطلع القرن العشرين، أصبحت حفلات عيد الهالوين التي يقيمها الكبار وحفلات الأطفال هي الطريقة الأكثر شيوعًا للاحتفال بيوم عيد الهالوين، في الحفلات يرتدي الجميع أزياء الهالوين ويقومون بممارسة الألعاب وتناول الأطعمة الدسمة والحلويات، إذ تم تشجيع الآباء في ذلك الوقت من قِبل الصحف وقادة المجتمع على استبعاد أي شيء “مخيف” أو “بشع” من احتفالات الهالوين، وبسبب هذه الجهود، فقد عيد الهالوين معظم إيحاءاته الخُرافية والدينية مع بداية القرن العشرين. 

أزياء الهالوين:

عيد الهالوين

تأثّرت أزياء الهالوين في الولايات المتحدة منذ تاريخ دخول العيد للولايات المتحدة الأمريكية وحتى اليوم بالوضع السياسي والإقتصادي للبلاد، وتطور المعنى الديني للعيد مما انعكس على تطور أزياءه، بدءًا بلبس الرؤوس والجلود عند شعب السلتيك ومرورًا بلبس الأزياء المخيفة والتنكر كمخلوقات أو شخصيات معينة لإخفاء الهوية وبث الرعب، مثل: الأشباح والسحرة والقرع والقطط السوداء، وانتهاءً اليوم بلبس ما هو شائع في مجال الترفيه والسياسة مثل ارتداء قناع يصور وجه من يترشح لرئاسة الولايات المتحدة أو أقنعة لشخصيات أفلام، ووضع المكياج وتلوين الوجوه. كما صوّرت الأزياء أحيانًا كثيرة العنصرية ضد الأفارقة الأمريكان عبر ارتداء أقنعة سوداء، ومع التداخل بين الشعوب والعولمة تأثرت الأزياء بالثقافات المختلفة، فظهرت الأزياء التي تصور الحضارة الفرعونية والحضارات الشرقية وغيرها من المُجتمعات الأخرى.

خاتمة

اليوم يزور الكثيرون القبور ليوقدوا الشموع في يوم عيد الهالوين، ويرتدي الناس الملابس الغريبة، ويتم تزيين البيوت بفوانيس اليقطين والزينة المخيفة، ويشاهدون أفلام الرعب كما يطرُق الأطفال البيوت لأخذ الحلوى أو عمل خدعة، ولم يعد عيد الهالوين اليوم محصورًا في الولايات المتحدة الأمريكية فقط، إذ يتم الاحتفال به في عدد من الدول المسيحية مثل: كندا، وبريطانيا، كما أن ثقافة الهالوين انتشرت أبعد من ذلك، فأصبح الكثير من الناس يحتفلون ويرتدون الأزياء المختلفة خصوصًا مع تأثّر الأمر بثقافة الاستهلاك، إذ تعرض متاجر الأزياء ملابس الهالوين وتقيمُ المحالُ التجارية العروض مع حلول عيد الهالوين.

شارك المقال مع أصدقائك!